العقدة الكبرى والعقد الصغرى
الحلقة السابعة والثلاثون
سادسَ عشَرَ: عقدة الغرور، الكبر، الشعور بالعظمة، تضخم الذات…
إنّ من أجابَ أسئلةَ العقدةِ الكبرى إجابةً عقليةً صحيحة مقنعة، وارتضى العقيدة الإسلاميةَ حلاًّ لهذه العقدةِ لا يتسرّبُ الكبرُ أو الغرورُ أو الشعورُ بالعظمةِ إلى نفسِهِ، لأنّه أدركَ حقيقةَ نفسِهِ، وأدركَ أنّه مخلوقٌ لخالقٍ خلقَه من العدمِ، وأنّ أصلَه من ترابٍ، ثم من نطفةٍ أمشاجٍ، أي مجموعةِ أخلاط من موادَّ مختلفة، ثم من علقةٍ، ثم من مضغة، ثم تحولت المضغة عظاماً، ثم كسيت العظام لحماً، ثم تحوّل إلى خلقٍ آخر، قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) فصار جنيناً ضعيفاً في بطن أمّه، لا حول له ولا قوة، ثم خرج من بطنِ أمه إلى الدنيا لا يعلمُ شيئاً، قال سبحانه وتعالى: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فخرج إلى الدنيا لا يعلمُ شيئاً، وقد آتاه الله أدوات التعلم والاتصال بالعالم الخارجي من حوله، الحواس، يتعلم عن طريقها، وآتاه العقل ليختزن فيه المعلومات السابقة ثم ينتفع بها وبعقله، بالتفكير، وتكوين الرأي واتخاذ القرار. هذا الإنسان خلق من ضعفٍ ليصير قوياً، ثم ليعودَ ضعيفاً كما بدأ، قال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ).
والله خلقَه وصوّره وأحسنَ خلقَه، وجعل فيه قابلية الهداية والضلال، ورزقه من الطيبات، وسخّرَ له ما في الأرض جميعاً، وقدّرَ فيه من الخواص الجسمية والنفسية والعقلية ما يمكّنه من استغلال ما حوله في الكون، وخلق لنا أزواجاً من أنفسنا، وجعل لنا من الأزواج بنين وحفدة. فلله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل شيءٍ.
والسؤال الآن: لماذا يصيبُ الغرورُ والكبرُ بعضَ الناس؟
والسؤال لهم: هل عرفوا حقيقةَ أنفسهم؟
بأي حقٍّ يتكبَّرُ الغنيُّ واللهُ هو الذي رزقه ما رزقه، وآتاه ما آتاه؟
بأيِّ حقٍّ يتكبرُ القوي والله هو الذي قدّر فيه القوةَ، وآتاه أسبابَها؟
بأيِّ حقٍّ يتكبَّرُ العالمُ والله هو الذي علّمَه، وآتاه وسائلَ التعلمِ وأداةَ التعلمِ؟
بأيِّ حقٍّ يتكبّرُ الكبيرُ على الصغيرِ، والله هو الذي مدَّ له في عمرِه ليصيرَ كبيراً؟
بأيِّ حقٍّ يتكبرُ الرفيعُ على الوضيعِ واللهُ هو الذي رفعَ قدرَ هذا، ووضعَ قدرَ ذاك؟
لو سألنا المتكبرَ أيضاً:
هل يملك أن يجلبَ لنفسِهِ نفعاً بغير تقديرِ الله؟
وهل يملكُ أن يدفعَ عن نفسه ضراً بغير إرادةِ الله؟
(قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
هل يعلمُ ماذا يكسبُ غداً؟ هل يعلمُ بأيِّ أرضٍ يموتُ؟ هل يستطيع دفعَ الموتِ عن نفسه؟ أو عن ولده؟
صدقَ الله سبحانه إذ قال: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ)، خلقَه اللهُ سبحانه وتعالى من نطفةٍ لا تراها العينُ المجرّدةُ، وفجأةً تحوّلَ هذا المخلوقُ الضعيفُ إلى مخاصمٍ لله تعالى!!
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد – الأردن