Take a fresh look at your lifestyle.

العقدة الكبرى والعقد الصغرى الحلقة الرابعة والأربعون

 

العقدة الكبرى والعقد الصغرى

الحلقة الرابعة والأربعون

 

 

 

نواصل حديثنا مع عقدة النظرة الخاطئة إلى المرأة:

 

وبما أن الميل الجنسي مظهرٌ غريزي، مظهرٌ من مظاهر غريزة النوع، والغرائز تتميز بكون إثارتِها خارجيةً، منعت العقيدة الإسلامية الإثارةَ في الحياةِ العامة، فجعلَ لكل من الذكرِ والأنثى حدوداً في لباسه وسلوكه وتصرفاته، فلا يبدر منه ما يؤدّي إلى الإثارة، ويعيشُ الناس في أعمالهم في الحياة العامة دون وجودِ ما يصرفهم عن عملهم. وأوجبَ على كل من الرجلِ والمرأة غضّ البصر للابتعادِ عن الإثارةِ في غير محلِّها، وأوجبَ عليهم أن يحفظوا فروجهم، ومنعَ المرأةَ من إبداء زينتِها في الحياة العامة، ومنعها من إبدائها لغير محارمها في الحياة الخاصة.

 

 جعلتْ العقيدةُ الإسلامية من المرأة عرضاً يجبُ أنْ يُصانَ، فأبعدت نظرةَ الذكورةِ والأنوثة عندَ الناس في الحياة العامة، وفي العمل لعمارة هذا الكون، وجعلت النظرةُ الإنسانية هي الأساس في التعامل في الحياة العامة.

 

ومن خلقَ الإنسانَ يعلمُ ماذا خلقَ، ويعلمُ ماذا يلزمه، ويعلم ما يمكنُ أن يواجهه من مشاكل في سيره في إشباع غرائزه وحاجاته العضوية، فوضع له النظام الصحيح للإشباع، وأعطاه المفاهيم الصحيحة والنظرة الصحيحة، ولذلك ترتّب على هذا الميلِ علاقةً تحتاجُ إلى تنظيم، فنظمها التنظيم الصحيح، ونظّمَ ما ينشأ عنها من حمل وولادة ورضاع وحضانة وتربية ونسبٍ، وأوجبَ للمرأة حقَّ النفقة على زوجها، أو على وليّها، وأوجبَ على المرأة طاعةَ زوجِها في غير معصيةِ الله، وأوجبَ لها السكنَ المناسبَ لها بالمعروف، كل هذا ليجنّبَ الناسَ الوقوع في المشاكلِ في ما بينهم، ويجنبَ الناسَ الوقوع في القلق والشقاء.

 

ونظّمَ علاقات الرجلِ بالمرأة في غير الميل الجنسي، فأوجبَ صلةَ الرحم، وجعلَها قربةً إلى الله تعالى يؤجرُ صاحبها.

 

وأوجبَ صلةَ القربى وجعلها قربةً إلى الله تعالى يثابُ فاعلها.

 

وشرعَ أحكامَ المواريث، وأعطى كلاً من الرجل والمرأة ما يستحقه من ميراث مورّثِه.

 

وأوجبَ برَّ الأمّ على أولادها.

 

وجعلَ الجنةّ لمن يكونُ له ثلاث بناتٍ فيحسنُ تربيتهن وتعليمهن، ولمن يكونُ له بنتان فيحسنُ تربيتهما وتعليمهما، ولمن يكون له بنتٌ فيحسنُ تربيتها وتعليمها، وجعلها لأبيها ستراً من النار، وحرّمَ وأدَ البنات، وشدّد الوعيد على فاعله في الدنيا والآخرة، وحرّمَ قتل الأولادِ بسبب الفقرِ أو مخافةَ الفقر، وأخبرَ أنه تعالى يرزقُ الأبناء والبناتِ كما يرزقُ الآباءَ والأمهات.

وفي هذه الأيام، وقعت البشرية في الشقاء لما صوّرت الحياةَ على أنها متعةٌ وشهوات يسعى وراءها صاحبها، فهذه الحياةُ الرأسماليةُ جعلت المرأةَ سلعةً تُباعُ وتشترى، وقاسوا قيمتها بمقاسات جسمها البالية، وأشغلوها بالمحافظة على جسمِها وجمالها، وأزيائها الجديدة، جعلوا مظهَرَها عندَها غايةً لها، وجعلوها فريسةٍ لكل مفترسٍ متوحِّشٍ من الرجالِ، وخدعوها وغرروا بها، أخرجوها من بيتها، ومن سترها، ومن لباسها، ومن حيائها، وفرضوا عليها أن تجدّ وتكدّ وتتعبَ لتحصل على رزقها، فلم يبق عندها وقت للقيام بوظيفتها، كل ذلك لما صنعوا إلهاً جديداً أسموه الحريات، وأوقعوها في التناقض بين دوافع الذات والبقاء ودوافع النوع، فلم تدرِ أتسعى لحفظ نوعها البشري، فتؤّدي وظيفتها؟ أم تسعى لحفظ ذاتها وبقائها وتحفظ مظهرَها أمام الآخرين، ليكيلوا لها عبارات الثناء والإعجاب بمظهرها وجمالها؟ فتضيع بين الدافعين في شقاء مستمر.

 

وما أصابَ المرأةَ من تناقضٍ وشقاءٍ أصابَ الرجلَ، فغفل عن مهمةِ حفظ النوع البشري في علاقته مع المرأة، هذه المهمة التي تحقق السكن والراحة والطمأنينة، وانصرف عنها إلى غايةٍ أخرى، جعل الإشباعَ بحدّ ذاته غايةً وهدفاً، فاستمرّ يجري وراءَه ولا يستطيعُ تحقيقه، وصار كمن يجري وراء سرابٍ لا نهاية له، ظنّ أنّ الإشباعَ يصلحُ أن يكونَ غايةً، فاستمرَّ يشبعُ حتى أصابه ما أصاب المنبتَّ الذي لا ظهراً أبقى، ولا أرضاً قطع، بل انتهى إلى الشذوذ، فلم يعد الإشباع الطبيعي يرضيه، ثم انتهى به الشذوذ إلى الموت، ثم إلى جهنم.

 

لا بد للبشر من العودة إلى الحل الصحيح للعقدة الكبرى، إلى العقيدة الإسلامية، التي نزلها الله سبحانه وتعالى خالق الإنسان، العالم بما خلق، والعالم بما يصلح ما خلق، ولا يصلح هذا المخلوق إلا نظام الخالق سبحانه وتعالى.

al3uqdato-lkobraa-wal3oqad-assyghraa-44.pdf