القمة العربية في الأردن
الخبر:
تنعقد قمة حكام الدول العربية في البحر الميت في الأردن نهاية هذا الشهر وسط إجراءات أمنية مشددة للبحث في التحديات التي تواجه الدول العربية.
التعليق:
التحديات التي تواجه العرب لا شك بأنها كثيرة ومهمة، ولكن الحقيقة أن المجتمعين في القمة من فخامات وجلالات وأصحاب سمو ليسوا على مستوى أي من التحديات. خاصة أنه لا يوجد بينهم من يتصرف بإرادته الخاصة أو إرادة الشعب الذي يحكمه. ومنذ أن بدأت سلسلة أو قل مسلسل قممهم العادية أو الاستثنائية لم يحققوا أي إنجاز مطلقا ولم يواجهوا أي تحد ولم يحلوا أي قضية.
فلطالما تحدثوا وأفاضوا في سوق عربية مشتركة ترفع الحواجز الجمركية وتسهل انتقال رؤوس الأموال والعمال والحركة بين الدول العربية. وبقي هذا التحدي قائما حتى اليوم. فلا الحواجز الجمركية زالت ولا انتقال الأموال والعمال أصبح أسهل. بل على العكس زادت واستعرت حركات السعدنة والأردنة والبحرنة واللبننة وغيرها. ولا يزال الخواجا في بعض الدول العربية له احترام وتقدير وتسهيل في مناطق العبور والمطارات أكثر من أتباع القمم العربية من الرعية!
ومع دخول مسلسل القمم في حلقاته الأخيرة تبدلت فيه المواقف والرؤى حول أهم تحد واجه العرب منذ منتصف القرن الماضي وهو احتلال فلسطين بل قل تسليم فلسطين ليهود لإقامة دولة لهم في أرض عربية إسلامية بل ومن أقدس بلاد المسلمين. فبعد أن كانت القمم تصنف كيان يهود على أنه العدو الأول، أصبح إطلاق لفظ عدو على كيان يهود محرما بل مجرَّما في بعض دول القمة. ففي الدولة المستضيفة للقمة جرت محاكمة أحد الأشخاص بتهمة الإساءة إلى علاقات مع دولة تربط بينها وبين كيان يهود معاهدة سلام وعلاقات دبلوماسية. وبدلا من اعتبار وجود يهود في أرض فلسطين تحدياً لا بد من مواجهته كما كان اللغط في هذا الموضوع قديما، أصبح التحدي هو “ماذا نفعل بأهل فلسطين الذين يعيشون على أرضهم المحتلة منذ 1948 فيما إذا قررت أمريكا الموافقة على أن يكون كيان يهود دولة لليهود فقط؟”! وقد تمخضت عبقرية أحد ملوك العرب المتقمقمين في البحر الميت أن يبني جزيرة للفلسطينيين في البحر ليعيشوا فيها بأمان. ألم يعلم أن يهود في نهاية القرن التاسع عشر لم يكن لهم أرض ودولة واحدة تجمعهم فعمل زعماؤهم بكل الأساليب والقوى التي يملكون لطرد شعب من أرضه وإقامة دولة لهم؟ ألا يعلم صاحب الجلالة المفخم أن هذا الشعب هو جزء من الشعب الذي باسمه تعقد القمم؟ وأنه هو الذي أصبح مشردا مطاردا في كل أرجاء الأرض؟ أي سخط هذا الذي سيحل على قممكم من شعوبكم ثم من أسيادكم بعد أن تنفذوا مطالبهم.
لم تبق دولة أيها المجتمعون في قمتكم منذ 50 عاما على حالها إلا دولكم زادت سوءا على سوء، وفقرا على فقر، وضعفا على ضعف. ديون دولكم حتى النفطية منها بدأت تخترق السقف وتصل إلى حد يتجاوز دخل هذه الدول. لم تنشأ في دولكم أي صناعة حقيقية عدا تلك التحويلية الاستهلاكية. لم نشهد ظهور شركات عملاقة أو منتجات خاصة بكم. شعوبكم كانت تتمنى لو أن دولكم استطاعت أن تنتج هاتفا نقالا واحدا كما فعلت فنلندا وكوريا وتايوان وكلها أصغر منكم ولا قمم لديهم ولا نفط ولا غاز. عار عليكم أن تظهروا حتى مجرد الظهور.
لقد خذلتم شعوبكم ولا زلتم تتشدقون وتظهرون على التلفزيون والفضائيات وتعقدون القمم. لقد فرطتم في فلسطين، وتآمرتم على العراق، وساهمتم في تدمير سوريا، وأشقيتم اليمن السعيد، وقضيتم على أنفة الشعب في ليبيا لمجرد أنه أطاح برفيق دربكم في الخيانة، وشددتم على إزر انقلاب مصر لمجرد أنه أدار ظهر المجن للثورة التي أطاحت بعرابكم حاكم مصر الأسبق.
ماذا بقي في جعبتكم اليوم لتخرجوا به علينا لا سمح الله؟ هل من دولة كبيرة تريدون تقسيمها إرضاء لأمريكا وبريطانيا؟ هل من تآمر أشد مما كان؟ هل ستجمعون 20 مليار دولار لبناء جزيرة للفلسطينيين؟ هل ستبحثون عن طرق جديدة للتسول من خلال إخوتنا من سوريا الذين شردتموهم في الآفاق ثم أنتم هؤلاء تقبضون الثمن تحت عنوان الآثار السلبية من اللجوء؟! ماذا بقي عندكم من فساد وطغيان وتآمر ودمار فتخرجوه لنا؟!
أعاذنا الله من قممكم ومن مؤتمراتكم ومن مؤامراتكم. ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾، وأنا أشهد الله أنكم أنتم شر مَن خلق الله تعالى في هذا الزمان.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد الجيلاني