Take a fresh look at your lifestyle.

العجب العجاب ليس بذكر الأسباب بل بتصديقها ونيلها الإعجاب

 

العجب العجاب ليس بذكر الأسباب

بل بتصديقها ونيلها الإعجاب

 

 

 

حدثان هزا العالم ولا يفصل بينهما إلّا ساعات معدودة؛ الأول مجزرة مروعة حدثت نهار الثلاثاء في منطقة خان شيخون غربي إدلب، راح ضحيتها عدد كبير من الأطفال والنساء جراء قصف المنطقة بغاز السارين السام والمحرم دوليا. والثاني قصف مطار الشعيرات في حمص بـ59 صاروخاً أطلقتهم البارجة الأمريكية بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

 

ولكن لماذا هذا “الرد” الأمريكي وذلك كما اعتبرته جميع الأوساط السياسية والإعلامية؟؟ وهل صدق القول أن ترامب ضرب وترك التصفيق لحكام العرب!!

 

إن المتتبع لتصريحات ترامب ولخطاباته الرنانة ومنذ بدء ترشيحه يرى كيف أن هناك تناقضاً بينها وبين أفعاله وذلك في نقطتين رئيسيتين أخرجتا النفاق الأمريكي تجاه الثورة السورية من السر إلى العلن.

 

النقطة الأولى وتتعلق بمهاجمته المستمرة للمسلمين وخاصة اللاجئين منهم والمتواجدين في بلاده، فقد صرح في أكثر من مناسبة بأنه سيقوم بطردهم من أمريكا وإعادتهم إلى بلادهم. إذ كانت بداية تصريحاته في تموز 2016، عندما أعلن في مقابلة مع محطة “إن بي سي”، أنه سيمنع السوريين من دخول أمريكا في حال فوزه بالانتخابات. وفي تشرين الأول 2016 نقلت وكالة “فرانس برس” عن ترامب قوله إنه سيعيد آلاف اللاجئين السوريين إلى بلدهم إذا انتخب رئيسًا للولايات المتحدة. كما أضاف “إذا فزت في الانتخابات فهؤلاء الأشخاص سيرحلون… يجب أن يعرفوا وأن يسمع العالم ذلك”، مؤكدًا “لن نقبل مئتي ألف شخص من المحتمل انتماء عدد منهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وليس لدينا أي فكرة عنهم”.

 

وهكذا نرى اللاإنسانية في تصريحاته ولا سيما وأن معظم اللاجئين هم أطفال ونساء وشيوخ هربوا من ظلم وبطش النظام البعثي وأعوانه الذين أوغلوا في المدنيين تقتيلا وتشريدا على مدار سبع سنوات متواصلة. أيُعقل ممن أعلن الحرب على الأطفال والنساء الهاربين من الدمار والخراب أن يرأف قلبه المتحجر لمناظر الاختناق وأن تهتز مشاعره الزائفة لصور الضحايا في مجزرة خان شيخون؟!! أيُعقل أن يتغير هذا الحاقد بين ليلة وضحاها وتمتلئ كلماته بالرأفة واللين تجاه أطفال سوريا؟!! حيث قال خلال كلمته المتلفزة بعد الضربة الصاروخية التي أمر بتوجيهها “باستخدام غاز الأعصاب القاتل، انتزع الأسد أرواح رجال ونساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة. كان موتا بطيئا ووحشيا بالنسبة للكثيرين. حتى الأطفال قتلوا بوحشية في هذا الهجوم الهمجي للغاية. لا يجب أن يعاني أي من أطفال الرب مثل هذا الرعب أبدا”.

 

فهل سنصدق ونُصفق ونُعجب بالكلام المنمق بعد هكذا تصريحات منافقة؟!!

 

أما النقطة الثانية والتي تتعلق بموقفه تجاه بشار الأسد وتدخل بلاده بشكل مباشر في سوريا. ففي أثناء ترشيحه وقبل فوزه كان خطابه كالتالي:

 

خلال مقابلة تلفزيونية، في 20 أيار 2016، قال: إن “أمريكا لديها مشاكل أكبر من الأسد، وفي حال فوزي بالانتخابات لن أتدخل في سوريا ولن أقوم بمحاربة الأسد بمثل هذه الشدة”.

 

وفي مناظرته الأخيرة مع كلينتون، اعتبر ترامب أن التركيز على هزيمة التنظيم أهم من إقناع الأسد بالتنحي، قائلًا “لا أحب الرئيس السوري، بشار الأسد، ولكنه يقاتل تنظيم داعش”. كما اعتبر أيضا، أن بحث إدارة باراك أوباما عن مخرج سياسي لرحيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، هو “جنون وحماقة”.

 

أما بعد فوزه وتوليه منصب رئيس أمريكا وبعد هذه الهجمة الصاروخية الأخيرة وخلال كلمته المتلفزة ليل الخميس/الجمعة حيث قال: “شن الديكتاتور السوري بشار الأسد هجوما مروعا بأسلحة كيميائية على مدنيين أبرياء”. وأضاف “إنني أدعو الليلة كل الدول المتحضرة إلى الانضمام إلينا في السعي إلى إنهاء المجزرة وسفك الدماء في سوريا والقضاء على (الإرهاب) بكل أنواعه وأشكاله”.

 

فهل سنصدق ونُصفق ونُعجب بالكلام المنمق بعد هكذا تصريحات منافقة؟!!

 

أسباب واهية تحجب الأسباب الحقيقية والأهداف المصلحية وراء هذا العمل العسكري والذي لا يخرج من ضمن أُطر السياسة الأمريكية المصلحية، تلك السياسة القائمة على الأخذ دون مقابل، والعطاء مع مقابل. فلا عطاء دون ثمن، وهذا ما ردده ترامب عام 2011 “بعد أن غزا العراق الكويت في العام 1990 (وتم تحريرها في 1991)، قامت أمريكا بتسليم الكويت إلى الكويتيين، لكنهم لم يدفعوا مطلقاً ثمن السخاء الأمريكي المفرط”. كما دأب خلال الفترة التمهيدية للانتخابات الرئاسية على القول إنه “يتعين على الولايات المتحدة أن تستولي على النفط العراقي كي تعوض نفسها عن تكلفة غزو واحتلال تلك الدولة”، ومن أشهر تصريحاته الموجه للحكام الخليجيين: “الأموال الخليجية مقابل البقاء… لا تملكون غير المال ولا وجود لكم بدوننا”.

 

سياسة مصلحية تنافي الإنسانية، وليس من ضمن حساباتها رد الظالم والدفاع عن المظلوم، فهم كما يأمرون عميلهم بقتل الأطفال يأخذون الأموال من عميل آخر، لنتساءل: ما هو ثمن هذه الصواريخ الذي سيدفعه حكام المسلمين؟!! ماذا هو المقابل جراء هذه الضربة الصاروخية التي كلفت أمريكا 59 صاروخا بتكلفة 1،2 مليون دولار للصاروخ الواحد؟!

 

أهو إعادة ثقة المسلمين بهذه الإدارة التي كشفت النفاق وخلعت القناع وكشّرت عن الأنياب وعيّنت نفسها من أهل العقاب؟؟ أم أنهم يريدون أن يتخذوا من هذه الصواريخ ممحاة يمحون بها من ذاكرة المسلمين فظاعة هذه الصور وهذه المعاناة وكأنها صواريخ أطلقها الأبطال لحماية الديار والعيال؟! وكأنها صواريخ أطلقتها جيوش المسلمين لنصرة هؤلاء الأطفال والنساء المكلومين؟ أم أنه ليصدق القول: إن ترامب ضرب، وترك التصفيق لحكام العرب، لأنهم لم يعتادوا الغضب بل اعتادوا الخنوع والنَّصب (الحيلة والخداع)؟ أم أنّ هذا الاستعراض العسكري صندوق بريد لحلفاء أمريكا وإعادة بوصلة انقيادهم وإخضاعهم لها ولتذكيرهم الدائم أنها الراعي الأول والأخير لكل حل سياسي وفق خريطتها الاستعمارية، ولا سيما وأن المطار المستهدف عاود أعماله بشكل جزئي بعد ساعات قليلة من استهدافه بإقلاع طائرتين لضرب مناطق خاضعة للمعارضة!!

 

فاعلموا أيها المسلمون أنها لم تكن صواريخ هجومية ولا قتالية بل هي لا تتعدى المفرقعات النارية لإرسال رسائل سياسية صاروخية. وهي لن تُبرئ أمريكا من دم أطفال سوريا والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان وفلسطين، ومن نهب ثروات مصر والسودان وكافة بلاد المسلمين. وإن صفّق لها حكام المسلمين ونالت إعجاب القادة المزعومين، بينما هي مزيد من وصمة العار سيسجلها التاريخ أن أعداء المسلمين تحركوا وحكام المسلمين تخاذلوا. فسجل أيها التاريخ أن العجب العجاب ليس بذكر الأسباب بل بتصديقها ونيل الإعجاب.

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

2017_04_08_Art_US_military_strikes_on_Syria_AR_OK_1.pdf