Take a fresh look at your lifestyle.

الهيئات الدستورية بين ظلم السلطة وعجز القانون

 

الهيئات الدستورية بين ظلم السلطة وعجز القانون

 

 

 

الخبر:

 

أعدت منظمة سوليدار ندوة حول “مشروع الهيئة الدستورية المستقلة للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد: القانون الإطاري والخاص”. وهذه الهيئة هي من ضمن خمس هيئات تقرر إحداثها إبان الثورة في المجلس التأسيسي. تركّزت المداخلات في الندوة حول الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. “مهدي بن غربيّة” وزير العلاقات مع الهيئات الدستوريّة والمجتمع المدني دافع عن الحكومة واستدلّ في كلمته على أنّ الحكومة تحارب الفساد بأنّ كثيرا من كبار الفاسدين يهددون حكومة الوحدة الوطنية. وكانت المداخلات في الندوة حول إحداث قانون خاص بكل هيئة على أن تخضع جميعها لقانون موحد، واختلف المحاضرون بين مؤيد ومخالف، كما أشار بعض المتدخّلين إلى خلل في الدستور الذي لم يوضح أو يحدد ما يجب أن تكون عليه هذه الهيئات. وأشار بعض المتدخلين من القضاة إلى وجود مشكل فعلي في القوانين مما جعل هذه الهيئات عاجزة على حل المشاكل المتعلقة بسبب الفراغ التشريعي. وأكّدت بعض المداخلات أنّ وضع القوانين خضع إلى مصالح حزبية آنية وتوافقات أملتها ظرفية سياسية خاصّة.       

 

التعليق:

 

إنّه ليُدمي القلب أن نرى ونسمع مسلمين في بلد الإسلام يبحثون عن حلّ لمشاكلهم، وأين يبحثون عنه؟ يبحثون عنه عند الكافر المستعمر، يبحثون عنه في قوانين وضعيّة وضعها الكافر وزعم أنّها معايير دوليّة لكلّ الشعوب والأوقات.

 

– رغم كل الأوضاع التي مرت بها الأمة الإسلامية ازدهارا وتدهورا لم تعان يوما من مشكل قانونيّ أو فراغ تشريعي، ولم يخطر ببال أي فرد منها أن يستقي من غير المنظومة الإسلامية تشريعا، وذلك لأمرين:

 

–      للنهي الجازم عن الاحتكام لغير الإسلام، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ويقول الرسول r: «ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

 

–      وللكفاية التشريعية، فلم تكن نازلة تحلّ بالمسلمين إلا تصدّى لها المجتهدون واستنبطوا لها الحلول من كتاب الله تعالى الذي حوى كلّ حلّ لكلّ مشكلة من مشاكل الناس إلى يوم القيامة، ذلك أنّ الإسلام دين كامل لا يحتاج إلى غيره، يقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.

 

–      إن هذه الهيئات وإنشاءها كان دليلا على عجز هذه المنظومة التي نعيش تحت وطأتها، بل إنّ عجز المنظومة عن معالجة المشاكل كان سببا لصنع هاته الهيئات، وهي عوض أن تحل المشاكل أصبحت هي نفسها مشكلة تحتاج إلى حل. فالقضاء بمختلف درجاته يعاني الأزمات والتوتّرات ثمّ يطلب منه أن يفض مشاكل الناس بالعدل! أنّى له ذلك؟ ونحن نعلم أنه «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان».

 

–      هذه الهيئات أخذت الصبغة القضائية من تحقيق، وصلاحيّة الإيقاف بتمكينها من الضابطة العدلية، ولها أن تُحيل الملفّ إلى القضاء أو أن تحفظه دون الرّجوع إلى القضاء.

 

–      كيفية الترشح للهيئات الدستورية أثار حفيظة الكثيرين لأنّها طريقة تجعل تركيبة الهيئة خاضعة لجهات نافذة حزبية أو سياسية. فرئاسة إحدى هذه الهيئات أو العضويّة فيها يتم عبر الترشيح من مجلس النواب، ومجلس النّوّاب يخضع للمحاصصات والتوافقات التي يفرضها المستعمر الذي هيمن على الوسط السياسيّ برمّته وهو من وراء إحداث هذه الهيئات الدستورية ليسخّرها من أجل ضمان مصالحه، كما فعل في مصر عند الانتخابات وليبيا والأردن وغيرها لقلب الموازين وجعلها في صفّه.

 

–      أما مسألة المعايير الدولية للقوانين، فخير ردّ عليها هو ما قاله المتدخلون أنفسهم بأن قوانينهم لا تساعد على مواكبة مشاكل الناس وظهر فيها ما ظهر من عجز ومحدودية بل إنّها أحدثت مشاكل جديدة. ثمّ إنّنا نرى ونسمع من المدافعين عن القوانين الوضعيّة يقولون إنّ لكلّ وضعيّة ولكل موقع خصوصياته، غير أنّهم يريدون إخضاعنا إلى ما يُسمونه زيفا معايير دوليّة وهي في الحقيقة قوانين وضعيّة غربيّة وضعها الغرب الرأسمالي ليضمن مصالح كبار الرّأسماليين لا في بلدانهم فحسب بل في كامل العالم، ثمّ يريدون تعميمها على العالم لتكون بلدان العالم كلّها في متناول أيديهم وتكون الشعوب تحت هيمنتهم. ثمّ إنّ الحديث عن معايير دوليّة في بلادنا الإسلاميّة ومنها تونس يؤول إلى طمس قواعد الأمة التشريعية وإهدار ثروتها التشريعيّة المأخوذة من وحي ربّ العالمين، ومن ثمّ الحيلولة دون الرجوع إلى منهج الإسلام العظيم.

 

إنّ مصيبتنا تكمن في الحداثة والعلمانية وما شاكل ذلك من مفاهيم عانت منها الأمة ولا تزال تعاني، ولن نتخلّص من ضنك العلمانيّة والرّأسماليّة حتّى نقيم دولتنا على أساس العقيدة الإسلامية.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سليم صميدة

عضو لجنة الاتصالات لحزب التحرير في ولاية تونس

2017_05_24_TLK_3_OK.pdf