شرح مواد النظام الاجتماعي في الاسلام -ح5- شرح المادة 115
والتي نصها: ( يجوز للمرأة أن تعين في وظائف الدولة، وأن تنتخب أعضاء مجلس الأمة، وأن تكون عضوا فيه، وأن تشترك في في انتخاب الخليفة ومبايعته).
إن العمل الأصلي للمرأة أنها أم وربة بيت، فطرها الله تعالى عليه كي يستمر النوع الإنساني، وجعلها مختصة به دون الرجل، فمجموع الأعمال والتكاليف التي ألقيت عليها، يجب أن لا تشغلها عن عملها الأصلي وهو الأمومة وتربية الأولاد، فالشرع عندما سمح لها أن تفطر في رمضان وهي حامل أو مرضع، وأسقط عنها الصلاة وهي حائض أو نفساء، وأحكام أخرى غيرها، كل ذلك من أجل إتمام عملها الأصلي، وهو كونها أم وربة بيت.
إلا أنه ليس معنى كون عملها الأصلي أنها أم وربة بيت، أنها محصورة في هذا العمل، ممنوعة من مزاولة غيره من الأعمال، بل معناه أن الله خلقها سكنا للرجل ليوجد منها النسل والذرية، قال تعالى: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا أليها)، ولكنه سبحانه خلقها في نفس الوقت لتعمل في الحياة العامة، كما تعمل في الحياة الخاصة. فأوجب عليها حمل الدعوة، وطلب العلم فيما يلزمها من أعمال حياتها، وأجاز لها البيع، والإجارة والوكالة، وأباح لها أن تزاول التجارة والزراعة والصناعة، وأن تتولى العقود، وأن تتملك وتنمي أموالها وأن تكون شريكة وموظفة في دوائر الدولة وغيرها، ولها أن تستأجر الأجراء والعقارات والأشياء، وأن تقوم بسائر المعاملات.
إلا أنه لايجوز للمرأة أن تتولى الحكم، فلا تكون رئيس دولة ولا معاونا له، ولا واليا ولا عاملا، ولا أي عمل يعتبر من الحكم.
أما القضاء، فيجوز للمرأة أن تتولاه، لأنه ليس من الحكم، فعمل القاضي هو فصل الخصومات بين الناس، وإخبار المتخاصمين بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام، فالقاضي موظف وليس بحاكم، فهو أجير عند الدولة كسائر الأجراء. وقد روي عن عمر رضي الله عنه، أنه ولًّى الشفاء- وهي امرأة من قومه- ولاها السوق، أي قاضي الحسبة الذي يحكم على المخالفات جميعها.
وكان هذا على مرأى من الصحابة رضوان الله عليهم ولم ينكر أحد منهم عليه فكان هذا إجماعا.
هذا بالنسبة للقاضي والمحتسب، أما بالنسبة لقاضي القضاة وقاضي المظالم فإنه لايجوز أن يكون امرأة، لأنه من الحكم، وواقعه واقع الحكم، وينطبق عليه الحديث الذي رواه أبو بكرة قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: ( لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة)، أخرجه البخاري.
فقاضي الحسبة يرفع المظلمة التي تقع من الحاكم على الناس، سواء ادعاها أم لم يدعيها أحد، وهو لا يحتاج إلى دعوة المدعى عليه أي الحاكم إذا ادعى أحد المظلمة عليه، بل يجوز له أن يدعوه ليجلس بين يديه، ويجوز أن لا يدعوه. فواقع قضاء المظالم أنه حكم، ولذلك لا يجوز للمرأة أن تتولاه.
أما بالنسبة لإنتخاب الحاكم، فإنه ليس من الحكم، لذا يجوز للمرأة أن تنتخب الخليفة ويجوز لها أن تبايعه، فعن أم عطية قالت : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على النساء فيما أخذ أن لا ينحن، فقالت امرأة يا رسول الله، إن امرأة أسعدتني أفلا أسعدها؟ فقبضت يدها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فلم يبايعها).
وبيعة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن على النبوة، بل كانت على الطاعة للحاكم، فهذا يدل على أن للمرأة أن تبايع الحاكم وأن تنتخبه، وأن تدخل كذلك مجلس الأمة لأنه مجلس لأخذ الرأي، وليست له صلاحية الحكم، فهو لا ينتخب الحاكم إلا إذا أنابته الأمة عنها في ذلك، ولا يعزل الحاكم، ولا يسن القوانين، وعمله كله يتعلق بالرأي.
فما دام أعضاء مجلس الأمة، هم وكلاء في الرأي، فإن للمرأة الحق بأن تعطي رأيها السياسي، والاقتصادي وغيره، ولها أن توكل من تشاء لإعطاء الرأي، لأن الشورى في الاسلام حق للرجل والمراة على السواء، قال تعالى) : وشاورهم في الأمر)، وقال): وأمرهم شورى بينهم)، وهو كلام عام للرجل والمرأة، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عام يشمل الرجل والمرأة.
والرسول صلى الله عليه وسلم حين امتنع المسلمون عن الحلق والتقصير، دخل على أم سلمة وقال لها:( لقد هلك المسلمون)، وقص عليها ما حدث، فقالت له: احلق فإنهم لا يخالفونك، ففعل، فقاموا فحلقوا وقصروا، ثم قالت له عجل بالسفر بهم، ففعل، فهو قد أخذ برأي امرأة، مما يدل أنه يؤخذ رأيها في كل شيء في السياسة وغيرها.
وعضو مجلس الأمة إنما هو وكيل بالرأي، والوكالة جائزة للمرأة كما هي جائزة للرجل، وذلك لعموم الأدلة، فيجوز للمرأة أن تكون في مجلس الأمة، ودليل آخر أن النصيحة شرعت للرجل والمرأة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله، قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))،.
ولهذا جاز للمرأة أن تكون موظفة، وأن تكون عضوا في مجلس الأمة، وأن تبايع الخليفة وأن تنتخبه.
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاجتماعي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق