أبو بكر الصديق نصيرًا للإسلام والمسلمين
لقد وضع الله سبحانه وتعالى سننًا في تغيير المجتمعات، وهذه السنن لا تتخلف، ومنها في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، فحتى يغير الله حال الناس عليهم تغيير ما بأنفسهم، أي أفكارهم ومشاعرهم والأنظمة التي يتحاكمون إليها، وكذلك اشترط الله سبحانه وتعالى على المسلمين حتى ينزّل عليهم النصر أن يقوموا بما فرضه عليهم، فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾. وعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قادر على تغيير حال الناس ونصرتهم من دون حاجة منهم بأن يحركوا ساكنًا، إلا أنه سبحانه وتعالى أوجب على البشر القيام بأعمال مادية من شأنها الوصول إلى نتائج مادية أيضًا.
لقد أوجب الله سبحانه وتعالى العمل لتحكيم شرعه في ظل دولة ومجتمع إسلاميين، وهذه الغاية عصية على الفرد أو بضعة أفراد من الناس، فيجب أن تتضافر جهود الغيورين على دينهم والحريصين على مرضاة الله ونهضة أمتهم. هكذا كان في زمن النبوة، حيث دخل في الدين الإسلامي صحابة رسول الله ﷺ، وقد كانوا خليطًا من مختلف شرائح المجتمع، ومنهم الوجهاء الذين كان دخولهم في الإسلام نصرًا للإسلام والمسلمين وتمكينًا لهم في المجتمع المكي. من هؤلاء الوجهاء وأوائل من دخلوا في الإسلام أبو بكر الصديق، وقد كان لصفات أبي بكر الصديق الأثر الكبير في شد أزر الرسول ﷺ، حيث كان رضي الله عنه أحد أشراف قريش ووجهائهم قبل الإسلام، وكان في الجاهليّة يسقي الحجيج، ويُضيِّف النّاس، وكانوا يستعينون به في نائباتهم ومصائبهم لعلمهم بخُلُقه الحسن، وكانوا يُحبّونه ويعترفون له بالفضل، وقد اشتهر أيضًا بكرمه وإنفاقه للمال بسخاء، كما أنّه لم يسجد لصنمٍ أبدًا؛ فقد حمله عقله النيّر وفطرته السليمة القويمة لرفض ذلك وتحريم الخمر على نفسه قبل الإسلام، ولُقّب بـ “الصدّيق” لأنه صدّق النبي ﷺ وبالغ في تصديقه كما في صبيحة الإسراء، فقد قيل له: “إن صاحبك يزعم أنه أُسري به”، فقال: “إن كان قال فقد صدق”، وقد وصفه الله بالصدق فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
إنّ في كون أبي بكر الصديق وجيهًا في قومه نصرة للإسلام وتمكينًا له، فمن يتحلى بصفاته في وسطه كان لرأيه وزن، يتبعه باقي عشيرته أو بلده أو وسطه، وإيمانه بأية فكرة أمارة عند قومه بصحتها وسلامتها، فمثلًا بعد دخول أبي ذر الغفاري الإسلام، ورجوعه إلى قبيلته “غفار” ودعوته لها إلى الإسلام، كانت شخصيته ووجاهته بين عشيرته هي التي أثّرت على دخولهم جميعًا في الإسلام. لذلك كان دور الوجهاء بين الناس دورًا محوريًا، وواجب قيادتهم للمجتمع في عملية التغيير لتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى أعظم وآكد من وجوبها على عامة الناس، ممن يكون تأثيرهم في المجتمع قليلًا أو مقتصرًا على أهلهم، وفي الوقت نفسه تقصيرهم في العمل لنهضة أمتهم فيه ذنب أشد من الذنب الواقع على رقاب عامة المسلمين. لقد فهم كبار الصحابة من ذوي الصفات المتميزة هذه المعادلة، فكان إسلام أبي بكر وعمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، كان إسلامهم نصرة للإسلام وليس مجرد زيادة في عدد المسلمين وسوادهم.
لقد كان لكل صحابي عمل يتميز فيه عن غيره، وقد تميز أبو بكر الصديق رضي الله عنه بملازمته لرسول الله ﷺ في الدعوة إلى إيصال الإسلام لسدة الحكم، وقد كان رضي الله عنه يعلم بالأنساب وأشراف القبائل، وهذا مكّن الرسول ﷺ من تخيّر القبائل التي يمكن الاتصال بها وعرض الإسلام عليها وطلب النصرة منها للإسلام من أجل إقامة الدولة الإسلامية، فقد رُوي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قوله: “لما أمر الله رسوله ﷺ أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه فسلم، وكان أبو بكر مقدما في كل خير، وكان رجلا نسابة – أي يعرف في أنساب القبائل -… ثم انتهينا إلى مجلس عليه السكينة والوقار، وإذا مشايخ لهم أقدار وهيئات، فتقدم أبو بكر فسلم” قال علي: “وكان أبو بكر مقدما في كل خير، فقال لهم أبو بكر: ممن القوم؟ قالوا: من بني شيبان بن ثعلبة، فالتفت إلى رسول الله ﷺ فقال: بأبي أنت وأمي ليس بعد هؤلاء من عز في قومهم”.
هكذا، لم يكتفِ أبو بكر الصديق بالدخول في الإسلام كما يفعل كثير من الوجهاء في عصرنا الحالي، حيث يؤدون الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة، ويقضون جل حياتهم يلهثون وراء الدنيا ورعاية أبنائهم وبناء “مستقبل” دنيوي لهم، بل قضى رضي الله عنه كل حياته في سبيل رفعة دين الله، وقدم الغالي والنفيس، ولم يدخر من جهده وماله شيئًا لنفسه أو عياله، وقد دفع فدية لإطلاق سراح كثير من الصحابة الذين دخلوا في الإسلام وكانت قريش تعذبهم لذلك، حتى إنه لما توفاه الله – وكان حينها خليفة رسول الله ﷺ – ما ترك درهمًا ولا دينارًا، فكان ممن لزَم قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.
إن معرفة الوجهاء بالناس وبمفاصل المجتمع واحترام الناس لهم يجعلهم أهل الحل والعقد الحقيقيين في المجتمع، وباستطاعتهم توجيه الرأي العام إلى الإسلام وتشكيله، لذلك كان دورهم في إيجاد الرأي العام على ضرورة تغيير الواقع الفاسد واستبدال الإسلام به كطريقة عيش في ظل دولة تحكم بالإسلام، كان هذا الدور هو من واجبات الوجهاء في المقام الأول، فهم إن نادوا بذلك سمع الناس لهم واتبعوهم. كذلك فإن للوجهاء سبيلاً ومنفذاً على أهل القوة والمنعة، الذين يستطيعون انتزاع السلطة من الحكام المغتصبين لها وتسليمها للمخلصين العاملين لإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة؛ لذلك وإن لم يكن الوجهاء من أهل النصرة، لكن لهم سلطة ويداً على أهل النصرة، وواجبهم هو التأسي بسيرة صاحب رسول الله ﷺ (أبو بكر الصديق رضي الله عنه) بأن يدعو أهل النصرة لنصرة العاملين للخلافة على منهاج النبوة، ولا أقل من ذلك، فإن هم تخلفوا عن القيام بواجبهم هذا فإنهم يكونون آثمين إثمًا ليس أقل من إثم التولي يوم الزحف، فنصرة الإسلام من الجهاد في سبيل الله، بل هو أعظم من الجهاد في سبيل الله، فنصرة الإسلام وإقامة دولة الإسلام الواجب الحافظ لجميع الفروض وليس الحافظ لفرض الجهاد في سبيل الله فقط، وتخليهم عن القيام بواجبهم يعني رضاهم ببقاء الأمة في ظلمات الحكم بغير ما أنزل الله، ولا شك أن في ذلك إثماً عظيماً لمن يزن الأمور بميزان الشرع وضرر التخلف عن القيام بهذا الواجب. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا﴾، وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بلال المهاجر – باكستان
2017_06_11_Art_Abu_Bakr_Supporter_of_Islam_and_the_Muslims_AR_OK.pdf