(سكيزوفرانيا) العسكر!
بين أطفال اليمن وأطفال الروهينجا
مع دخول الحرب عامها الثالث في اليمن، ناهز عدد القتلى 10 آلاف شخص حسب تقارير الأمم المتحدة التي أعلنت مسؤولية دول التحالف عن قتل 60% منهم. فيما تسببت هذه الحرب في تشريد 3 ملايين شخص وهدم المرافق الصحية وقصف المدارس وإصابة الآلاف بجروح بالغة وتشوّهات…
حالة من التناقض المخزي لجيوش دول التحالف الذي يضمّ الأردن ومصر والمغرب والسودان وجيش باكستان وسلطنة عمان (وقطر سابقا) والبحرين والكويت والإمارات، بقيادة السعودية التي تحمل راياتٍ خُضراً مكتوباً عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) يتباهون بها ويطبعونها أعلاما على الطائرات المقاتلة (الإف16 والأباتشي)!!
والمتابع لأحداث اليمن يدرك جيدا حجم الميزانية التي خُصّصت لهذه الحرب أو ما يُعرف اصطلاحا بإعداد الدول للحرب، من موارد بشرية ومادية ولوجيستية، إذ لا تتوانى بعض هذه الدول على المزيد من إفقار شعوبها وهضم حقوقهم واتباع سياسة التقشف ورفع أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية بهدف التسلّح والمشاركة في عاصفة الحزم التي أودت بحياة الآلاف من المدنيين أكثرهم من “الأطفال”، ولعلّ ما يزيد الموقف خزيا وعارا أن كل هذه الطاقات الدولية مجتمعة للتصدّي لحركة مسلّحة (الحوثيين) ودعم الشرعية!!!
ولسنا هنا لنعرض حجم الدمار والخسارة التي ألحقتها هذه الحرب على أهلها، وحجم الكارثة الإنسانية الفظيعة التي يعيشها أهل اليمن اليوم، بين القصف والمجاعة والفقر والكوليرا… فالوضع في اليمن قد وصل إلى حافة الهاوية!! كما أننّا لسنا هنا لنبيّن حقيقة الصراع الإنجلوأمريكي على اليمن وأدواته ووكلائه، وإنما لنُفنّد كذبة كبيرة عاشتها شعوب الأمة الإسلامية لعقود طويلة، وهي أن دولهم – العربية خاصة – ضعيفة مادياً وعسكريّا وكأنها أمم بلا جيش كجزر المارشال أو كوستاريكا تعيش تحت الوصاية!!
هذه الكذبة عشّشت في نفوس أبناء الأمة، ونشرت عقلية مُحبِطّة مُدمّرة، عقلية الانهزام والاستسلام أمام أي تهديد خارجي أو داخلي، عقلية تبعث العجز في النفوس، حتى أصبح وعد الله عز وجل بالاستخلاف وبشرى رسوله r بخلافة راشدة، وَهْماً عند المُرجفين أو حلماً جميلا عند الآخرين، ليبقى الدعاء هو السلاح العاتي في وجه الصواريخ والقنابل والراجمات! أو الاستنجاد بالمنظمات الأممية والحقوقية لإغاثة الناس! حتى وصل الأمر بطلب التدخل العسكري الغربي في بعض المناطق لنجدة أهلها! إلا الحلّ العسكري الذاتي، فهو ليس مطروحا، لأن عقلية الانهزام والوهن قد توطّنت في النفوس فلن يستطيع أحدٌ الوقوف أمام جيش الغرب الذي لا يُقهَر!
فهل نحن حقا أمة بلا جيش؟؟
هل ننتمي إلى “جزر سليمان” التي تعيش تحت حماية أستراليا أم إلى أمة ممتدة من المحيط إلى الخليج؟؟
هل تفتقر جيوشنا حقا إلى القوة المادية والعسكرية والتقنية والبشرية أم أنها معادلة يصعب حلّها؟؟
فضياع فلسطين، مهبط الأنبياء، ومجازر يهود في القدس وغزة، وحرب أمريكا على الفلوجة وأفغانستان، وإبادة الروهينجا على أرض ميانمار، ومعاناة مسلمي الصين، وإبادة أهل الشيشان، وفظاعات سجن أبو غريب، ومجازر الهندوس في مسلمي الهند، ومأساة مسلمي أفريقيا الوسطى، واستغاثات واستنجادات ملايين المسلمين المضطهدين والمنكوبين عبر العالم، لم نرَ لجيوش المسلمين فيها أثرا، غير العروض والنياشين والأناشيد الوطنية!!
والمفارقة المؤلمة، أننا نسمع لجيوش المسلمين ركزا في وقائع أخرى!!
لقد أثبتت عاصفة الحزم – مثلا – قوة الطاقات العسكرية وبراعتها ومهارة القوات الجوية وبسالتها، كما أثبت ذلك من قبل، التدخل العسكري “العربي” في ليبيا، بمشاركة مصر والإمارات وقطر والسعودية، أو بسالة الجيش التركي في دعم حلف الناتو في أفغانستان، أو قوات دول التحالف العربي في سوريا والعراق لمحاربة تنظيم الدولة تحت عنوان مكافحة (الإرهاب) والقتال إلى جانب أساطيل جوية وبحرية أوروبية وأمريكية.
طيارون مسلمون، وطائرات تُقلع من أراضٍ عربية ومسلمة تُجاور المسجد الأقصى أو تحاذي بيت الله الحرام، تطير ببراعة وتقصف بدقة، تهدم المنازل وتدمّر المساجد وتقتل الأطفال والنساء، والمؤلم في كل هذا أن القاتل والمقتول يجمعهما دين واحد ورب واحد وكتاب واحد!!
عار وشنار على جيوش حرّكتهم مصالح بريطانيا وأمريكا وجعلتهم يقتلون إخوة لهم في الدين والدم، ولم تُحرّكهم صرخات أمة مكلومة ممزقة يتداعى عليها الغرب كتداعي الأكلة على قصعتها!!
لقد مرّت أمتنا في العقدين الأخيرين بمآسٍ عظيمة، لم يحكوا لنا عنها، بل صرنا نراها مباشرة كل يوم على صفحات مواقع التواصل الإلكتروني صوتا وصورة فلا تزيد القلب إلا حسرة وكمدا، فما عدنا نطيق رؤية استباحة المقدّسات، وهتك الحرمات، وسحق المخيّمات، وبقر بطون الحوامل، وتكسير عظام الأطفال، وسحل الشباب في الشوارع، وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء، وقصف الجوامع، وتدمير المستشفيات، وحصار المدن، وتعطيل سيارات الإسعاف، وحرق الناس أحياء، ومنع إخلاء الجرحى من تحت الأنقاض، ولا حتى رفع الجثث المتعفّنة من الشوارع والأزقة والبيوت المهدّمة!!! ولعل ما يحدث اليوم في أطفال الروهينجا يُلخّص مأساة أمة!
عار وشنار ودمار على جيوش تتصدر المراتب العالمية من حيث قوّتها العسكرية، كجيش باكستان وإندونيسيا وتركيا ومصر والجزائر، وكل من هذه الجيوش تجاور منطقة حرب، أو احتلال، لكن، تنتظر الإمام المهدي لتحرير المسجد الأقصى ونشر الأمان والسلام في أمة الإسلام!!
عار وشنار وقتار، على جيوش قدّمنا لتشكيلها خيرة أبنائنا وإخواننا، وبذلنا لإعدادها وتسليحها أحبّ أموالنا ومدّخراتنا، على أمل أن تحفظ أمتنا، وتصون أعراضنا، وتحمي مقدّساتنا، وها هي أمتنا اليوم تُقتَل وتُذبح، ومع ذلك فلا تهتزّ شعرة في شوارب تلك الجحافل والفيالق الجرارة، لنتساءل ونحن ندرك الجواب، لمَ أُعدّت تلك الفيالق والجيوش إذاً، وما مسوّغ تسمينها وتسليحها بالمليارات؟؟ هل استطاع تنظيم الدولة والحوثيون استفزاز الجيوش وتحريكها من ثكناتها فيما عجز المسجد الأقصى الأسير والفظاعات التي تحصل في ميانمار على تحريكها؟؟
الجيوش اليوم، تملك من القوة والمنعة ما يكفيها لنصرة المسلمين، فلماذا يُلام من يستنصرها؟؟ فالعقل يدلّك أن إزالة القوة لا يكون إلا بقوة أكبر منها، وفوق ذلك الشرع يدلّك بأن ردع العدو يكون بالقتال لا بالدعاء، ونُصرة المسلمين الذين سُفكت دماؤهم واستبيحت أعراضهم تكون بتحريك الجيوش لا بجمع التبرعات على أبواب المساجد! فلماذا لا نستنصرهم ولا نحُثهم على الجهاد ولا نعلق مسؤولية العرض والدم في رقابهم؟؟
يا جيوش المسلمين، القادة والجنرالات المخلصون منكم،
لن نملّ من طلب نصرتكم تأسياً برسولنا الأكرم rوهو يعمل لإقامة دولة الإسلام العظيمة، حتى أدميت قدماه الشريفتان، يسعى بين القبائل لطلب الحماية والنصرة من أهل القوة والمنعة، لمبايعته على مشروع الإسلام وبناء اللبنة الأولى لدولة تُقيم حدوده وتطبق أحكامه!
إننا على يقين بدنوّ نهاية الحكم الجبري، فكونوا ذلك الجيش الذي ينهيه، ولنعم الجيش!
وإننا مطمئنون لوعد الله بالاستخلاف وبشرى رسوله rبخلافة راشدة على منهاج النبوة، فكونوا ذلك الجيش الذي ينصر العاملين لعودتها، ولنعم الجيش!
يا جيوش المسلمين، هلمّوا إلى عز الدنيا والآخرة وإنه والله خيرٌ مما يجمعون ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري
2017_09_15_Art_Scizofrania_of_the_military_Between_Yemeni_and_Rohingya_children_AR_OK_1_1.pdf