Take a fresh look at your lifestyle.

إقامة الدولة في ظل قانون السببية – ج2 – أسباب دنيوية، مدنية، مجتمعية ينبغي دراستها!

 

إقامة الدولة في ظل قانون السببية

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الجزء الثاني: أسباب دنيوية، مدنية، مجتمعية ينبغي دراستها!)

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا

 

 

 

إذن: فكيف نتأكدُ من أننا أخذنا بالأسبابِ الدنيوية للوصول إلى الغاية؟ إن الجواب يكون بدراسة سيرة النبي rودراسة الحركات الجماعية التي حققت أهدافها ووصلت إلى النهضة في التاريخ ومحاولة فهم أسباب وآليات وصولها لننتفع بها[1]، إن كانت تلك الأسباب والآليات جارية على أساس السنن التاريخية بشكل صحيح، ولا شك أن السنن التاريخية تلك إن كانت جارية على أساس السببية، فإنها مما نظم الله تعالى الكون بناء عليه، لذلك فهذا مرتقى صعب، ودقيق، وينبغي فيه امتلاك آليات العقل والفهم والدقة والاجتهاد الصحيح.

 

فمثلا توصل الشيخ تقي الدين النبهاني في كتاب التكتل الحزبي إلى سنة مجتمعية وهي أن التغيير الفاعل حتى يكون مؤثرا في المجتمعات فإنه يكون فاعلا في الأماكن التي يكثر فيها الفساد والظلم والإلحاد حيث يكون الدافع للتغيير لدى الناس أكبر من العمل في المجتمعات المستقرة والخالية من الفساد والظلم، وكذلك توصل إلى أن سنة أخذ الحكم بالتسلط والقوة دون رضا الناس يوجِدُ متسلطين على رقاب الناس فترة من الزمن، ولكن ذلك لن يقيم دولة حقيقية، ولذلك لا ينفع الانقلاب العسكري دون وجود الرأي العام، وتوصل إلى أن المتسلطين يلجأون إلى السند الخارجي لتثبيت حكمهم فيكونون عملاء لمن يساندهم من دول الكفر والاستعمار.

 

وتوصل حزب التحرير كذلك إلى ضرورة وجود برنامج عمل تفصيلي لتنفيذ المبدأ عند الوصول للحكم ولا ينفع الارتجال، فقام بتأليف مجموعة من الكتب اللازمة للدولة كالنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي ونظام الحكم والدستور ونظام التعليم وغيرها.

 

وبمراجعة طريقة الحزب في السير نحو الغاية نجد أن هذه الطريقة تراعي مجموعة من السنن والنواميس المتعلقة بتغيير الدول والمجتمعات، وبالتالي فهذه الطريقة تنسجم مع السنن الربانية والمجتمعية والتاريخية التي توصل إلى الأهداف، وأن هذه الطريقة هي الطريقة الصحيحة واقعيا للوصول إلى الأهداف وإن كانت تحتاج إلى وقت وجهد وصبر.

 

فليس هدف الحزب هو أخذ الحكم بل إقامة الدولة، فأخذ الحكم أمر أسهل من إقامة الدولة لأنه يحتاج إلى أخذ أهل القوة بجانب الحزب، وهذا أمر قد يتم من خلال الاتصال ببعض السفارات التي لها تأثير على الجيوش فيكون الوصول سهلا كما فعلت الكثير من الحركات الوطنية والقومية، وبالتالي لا يمكن مقارنة الأمرين معا! لأننا نريد بناء دولة مبدئية وإقامة الحكم على فكرة الإسلام فليست غايتنا الوصول للحكم بأي وسيلة بل الحكم هو طريقة لتنفيذ المبدأ وليس هو غاية بحد ذاته.

 

ولكن هل تم إنجاز المهمة؟ ولماذا تأخرنا حتى الآن؟

 

القضية لا تتعلق بالفكرة أو الطريقة أو العمل الحزبي، بل تتعلق بدراسة الموانع والمعيقات أمام نشر الدعوة وأخذ النصرة، فبعد الدراسة وجد الحزب أن من أهم المعيقات هو حصار النشر أمام أفكار الحزب، ولكن هذا الأمر تم التغلب عليه نسبيا بعد انتشار الإنترنت والمواقع الدعوية والفضائيات والجرائد منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن الأمر ما زال غير فاعل لتحقيق هدف وصول الفكرة والرأي لكل الناس!

 

أما مسألة النجاح في طلب النصرة فهذا أمر بحاجة إلى أهل الاختصاص في الجيوش لبحثه وإزالة المعيقات من أمامه وهو خارج شأننا وبحثنا هنا على الرغم من أهميته، فليست عندنا تفصيلات تفيد في بحثه.

 

قد نكون لم ننجح في بعض المهمات في الأساليب والوسائل بسبب عدم معرفتنا لسننها ونواميسها وعدم أخذها بعين الاعتبار عند القيام بالأعمال، فمثلا خطاب بعض الشباب للناس القائم على الكفاحية وتعاملهم مع الغير بناء على التحليل السياسي، والذي يؤدي إلى نفور الكثير من الناس من بعض الأساليب، فهل هو مناسب أو غير مناسب؟ فهذا بحاجة إلى مراجعة وتصويب من قبل أهل الاختصاص في الدعوة والدعاية الإعلامية؟ علما بأن الحزب يدرك جيدا متى يلزم التحليل السياسي، ومتى يلزم الكشف، ومتى يلزم استغلال موقف ما لإيصال رسالة ما بناء على زاوية الوعي السياسي، لذلك فلعل أساليب بعض الشباب بحاجة لمراجعة! لكن الحزب في أساليبة ناجح أي نجاح!

 

وكذلك لا بد من الانتباه إلى سنة التدافع بين الناس، خصوصا ونحن لا نواجه الحكام والغرب فحسب، بل نواجه الكثير من الحركات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات النسوية وغيرها ممن يعمل لهدم ما نبنيه من أفكار وشل عملنا السياسي وفاعليتنا، ومزاحمتنا على قيادة المجتمع، فكيف نواجه هذا التدافع مع هؤلاء؟ ونعاني كذلك من فهم بعض الحركات السيئ للإسلام ومحاولتهم تشويه صورتنا وأفكارنا ونزع ثقة الناس منا وكذلك تشويه صورة الإسلام ككل أمام العالم!

 

كذلك لا بد لنا من الانتباه إلى سنة الابتلاء والتمحيص للدعوات، وهل صبرنا على الإيذاء؟ وهل نحن مستمرون في السير حسب ما يرضي الله؟ لا بد أن تكون الصورة واضحة لحملة الدعوة لفهم سنن الابتلاءات والتمحيص فيجتازوا الامتحان!

 

وهل نستحق تنزل نصر الله علينا بأن نصرنا دينه؟ أم قصرنا في بعض الجوانب الحزبية والفردية مما أخر النصر؟

 

الموضوع إذن عميق جدا ومتشعب وبحاجة إلى جهود جبارة وعقول مبدعة لتخطي كل العقبات، من خلال البحث عن السنن والنواميس التي تعجل في الوصول إلى الأهداف، فإن نحن قصرنا في استنباط هذه السنن والنواميس التي تخص كل فعل وكل أمر وكل أسلوب، فقد نكون قصرنا في الأخذ بالأسباب الموصلة للأهداف، وهنا التقصير ليس تقصيرا من الزاوية الشرعية بل هو تقصير في الأخذ بالأسباب الواقعية الموصلة للأهداف، وهذه النواميس لا تحابي ولا تراعي أحدا بل تنطبق على الجميع مسلما كان أم كافرا!

 

أعان الله الأمير والحزب والأمة على القيام بهذه المهمات العظيمة والجليلة، وهي بحاجة إلى تشمير السواعد في البحث والاستنباط وتنزيل السنن والنواميس بشكل صحيح على الواقع!


 

[1] لرب سائل يقول: ألا يتناقض هذا مع الاقتصار على الأخذ بما نزل به الوحي؟ فنجيب: أما الخشية من الأخذ من الشرق أو الغرب والاستفادة من حركات التغيير العالمية، فعندنا الضوابط اللازمة للأخذ والترك، من خلال مقياس الحضارة والمدنية، والتفريق بين الطريقة وهي ثابتة لا تتغير، لا تؤخذ إلا من الوحي، وبين الوسائل والأساليب وهي مباحة، فالأخذ بتقنية الراديو واستعماله لإذاعة خطبة ليس إلا من الوسائل المباحة، واستعمال تقنيات وسائل الاتصال الإلكتروني أمر مباح من الأساليب المباحة للتخاطب، فلا تعارض، وهو من المدنية وليس من الحضارة، وقد تم التفريق بينهما بدقة، فالأشكال المدنية مثل الكمبيوتر والراديو والمواقع الإلكترونية هي من الأشكال المدنية التي لا تؤثر بالحضارة، وهي عالمية يجوز أخذها.

وكذلك السنن التاريخية التي تحكم حركة المجتمعات أمرنا الله تعالى بدراستها والاستفادة منها لأنها نواميس أودعها الله تعالى في الكون والإنسان والحياة والمجتمعات وأمرنا باستنباطها والأخذ بها، فسنة التدافع بين الحق والباطل سنة مجتمعية خالدة ذكرها الله تعالى في القرآن وبيَّن نواميسها وأسبابها وأمرنا بدراستها لنتفاعل معها على بينة! فهذا من هذا! وقد رأينا مجال هذا في الأعمال الجزئية الخادمة للأعمال الشرعية اللازمة للطريقة، مثل ما يتفرع عن حمل الدعوة من دعاية وإعلان مثلا، فالدعاية شكل مدني عام، سواء أكانت دعاية لمنتج يباع ويشترى، أم كانت دعاية لفكرة، فالدعاية أسلوب، ولها تقنيات لا تغير من طبيعة الفكرة، بل تدرس الآليات التي تحمل بها الفكرة، لتبلغ الطرف الآخر وتؤدي غرضها، وهذا يشبه الاستفادة في الخطابة من المذياع والكمبيوتر، فهما آلات ولا يغير في مضمون الرسالة شيئا!

ثم إن الحزب درس جميع الحركات الجماعية المحلية والعالمية وذكر ذلك في كتاب التكتل سنة 1953، وذكر كيفية استفادته من تجاربها عموما، فلا مانع مثلا من الاستفادة من تجربة الثورة البلشفية في مجال السنن والقوانين ما دامت من المباحات ولا تخالف الشرع، فالشرع أمر بإقامة حزب، ولم يفصل في قوانينه الإدارية، ولا في الشكل الأنجع الذي يضمن حسن تكتله، بل ترك ذلك للسنن التاريخية التي تحكم إقامة الأحزاب، فهي قوانين مجتمعية مدنية، مثل بناء البيوت على أسس ونوافذ وأبواب، فهي عالمية.

وأما ما يأتي من الغير فيما يخالف الشرع فنرفضه، فنحن مثلا لا نجيز وجود جناح مسلح كما تفعل باقي الحركات وخصوصا اليسارية لأنها تخالف طريقة الرسول r، ولكننا استفدنا منهم في كيفية التكتيل وكيفية تحول الحزب من كتلة حزبية إلى حزب متكامل، وكذلك استفدنا فكرة مبدئية الصراع والكفاح السياسي ضد الخصوم الفكريين والسياسيين، وكذلك نحن نقول بوجود سنن وقوانين تحكم سير التغيير للمجتمعات والدول، ولكننا نخالف الشيوعيين الذين يقولون بالحتمية التاريخية من حيث إن التاريخ تحكمه قوانين حركة التاريخ التي تجري جبرا عن الناس باتجاه تصاعدي نحو التطور والتقدم لإقامة المجتمع الرأسمالي ثم المرحلة الاشتراكية وانتهاء بالشيوعية، فنرى أن أفعال الناس وتصرفاتهم لها تأثير في سير حركة تغيير المجتمع وهي ليست حركة جبرية – كما يدعون – بل الإنسان فاعل فيها ومؤثر صعودا ونزولا حسب أفكار النهضة والانحطاط الفاعلة في المجتمع والدول، فهذا ما ينبغي فهمه هنا فلا يفتح الباب على أهواء من يريدون تغيير الطريقة وإدخال طرق مخالفة للشرع فيها مثل التغيير من خلال البرلمانات، أو التغيير من داخل الأنظمة، وهكذا، فهذه مخالفة للشرع، وليست من دائرة الأساليب المباحة! ولا تشبه المذياع والصحيفة كأدوات لنقل الفكرة! ولا يمكن أن يصح اجتهاد يقوم عليها بنسبة إلى الشرع صحيحة!