Take a fresh look at your lifestyle.

علّمني الإسلام أن أكون إنسانا

 

علّمني الإسلام أن أكون إنسانا

 

ميّز الله الإنسان عن سائر مخلوقاته بالعقل. وكلّفه بناء على هذا التّمييز بالتدبّر والتّفكير وإعمال هذا العقل في الكون وما فيه للوصول إلى معرفته وعبادته وطاعته ﴿أفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾.

 

على الإنسان أن لا يفرّط فيما ميّزه الله به عن كلّ الكائنات الأخرى… عليه أن يستعمله حتّى يصل إلى معرفة ربّه ويعبده وحده لا شريك له يسلّم له ويهتدي بهديه حتّى لا يضلّ ولا يشقى… إذ إنّه بتخلّيه عن هذه الملكة يكون قد ترك العنان لنفسه وشهواته ورغباته يلبّيها بلا ضابط ولا رادع فينحدر إلى مرتبة “الأنعام” يعيش عيشتها يأكل وينام ويتكاثر ولا يختلف عنها، بل ربّما قاده تغييب عقله وتحكيم شرع خالقه إلى مرتبة أدنى من “البهائم والأنعام”. لقد كرّم الله ابن آدم… كرّمه وجعله خليفته في الأرض… خلقه وسوّاه… وما خلقه إلّا ليعبده… ويكون الدّين كلّه لله لا يعبد في الأرض سواه. فأين الإنسان ممّا يجب أن يكون عليه؟!! هل أدّى الإنسان الأمانة التي أشفقت منها الجبال والسّماوات وأبيْنَ أن يحملنها ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72]؟ أين هو من التّكاليف الشرعيّة التي كتبها الله عليه، وهل طبّقها وسعى إلى أن تطبّق في بني جنسه حتّى يوفي هذه الأمانة حقّها؟

 

حين نرى أمّة الإسلام وما هي عليه من هوان… حين نرى الإنسان يمشي مكبّا على وجهه لا يدري أيّ سبيل يسلك ولا أيّ طريق يمشي… تائها تقوده حاجاته وغرائزه التي يلهث ليلا ونهارا ليلبّيها… يدور في رحى نظام فاسد يجعله أعمى البصيرة مغيّب العقل، لا همّ له سوى تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح والمكاسب والعيش الرّغيد، غافلا عن هدفه في الحياة وعن الغاية من وجوده. حين نرى ما يحدث لهذا الذي كرّمه الله على سائر المخلوقات ونرى جحوده ونكرانه لخالقه وإقصاء أحكامه من حياته نتيقّن أنّه قد تهاوى وانحدر إلى درجة أقلّ من المخلوقات الأخرى التي لم تجحد فضل ربّها؛ تشكره وتسبّح بحمده ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾.

 

لقد خلق الله الإنسان وأعلى شأنه ومكّنه ليكون سيّدا في الكون ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ أي من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات. وقد استدلّ بهذه الآية الكريمة على أفضليّة جنس البشر على جنس الملائكة. عن عبد اللّه بن عمرو عن النّبيّ ﷺ قال: «إنّ الملائكة قالت: يا ربّنا! أعطيت بني آدم الدّنيا، يأكلون فيها ويشربون ويلبسون، ونحن نسبّح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدّنيا فاجعل لنا الآخرة، قال: لا أجعل صالحَ ذرية من خلقتُ بيديَّ كمن قلت له كن فكان» رواه الحافظ الطبراني. (تفسير ابن كثير)

 

خلق الله الإنسان وفضّله فوهب له عقلا يميّز به ويدرك به حقيقة وجوده والغاية منه، وحتّى لا تنتفي عليه هذه الصّفة “كونه إنسانا” عليه أن لا يقصي هذا الذي ميّزه الله به وأن يُعمِله للوصول إلى حلّ عقدته الكبرى: من أوجده؟ ولماذا؟ وما الغاية من وجوده؟ فإذا حلّها الحلّ الصحيح بنى حياته على ضوئها وجعلها قاعدته الفكريّة التي عليها تبنى كلّ أفكاره وبها يحدّد سلوكه وأعماله.

 

يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: وقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ قال السّدى يعني لا يبعث. وقال مجاهد والشّافعي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني لا يؤمر ولا ينهى. فـ”سدى” تحمل هذين المعنيين الأوّل أنّ الإنسان لا يترك في هذه الدّنيا مهملا لا يؤمر ولا ينهى، والمعنى الثاني هو أنّه لن يترك في قبره لا يبعث بل هو مأمور منهيّ في الدّنيا، محشور إلى الله في الدّار الآخرة…

 

وذكر سيّد قطب في الظّلال: “﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ فقد كانت الحياة في نظر القوم حركة لا علّة لها، ولا هدف، ولا غاية… أرحام تدفع وقبور تبلع… وبين هاتين لهو ولعب، وزينة وتفاخر، ومتاع قريب من متاع الحيوان… والذي يميز الإنسان عن الحيوان، هو شعوره باتصال الزمان والأحداث والغايات، وبوجود الهدف والغاية من وجوده الإنساني، ومن الوجود كله من حوله. وارتقاؤه في سلم الإنسانية يتبع نمو شعوره هذا وسعته، ودقة تصوره لوجود الناموس، وارتباط الأحداث والأشياء بهذا الناموس. فلا يعيش عمره لحظة لحظة، ولا حادثة حادثة، بل يرتبط هذا كله بإرادة عليا خالقة مدبرة، لا تخلق الناس عبثاً، ولا تتركهم سدى.”

 

أجل! لم يُخلق الإنسان عبثا ولن يُترك سدى…! لن يكون الإنسان إنسانا وأفضل مخلوق – كما أراده الله – إلّا إذا عبد الله ولم يشرك بعبادته أحدا، يمشي في الأرض على خطا وهدي رسوله يعمل بأوامر الله وينتهي بنواهيه، يجدّ ويكدّ ويعمل جاهدا لنيل رضوانه والفوز بجنّته، فلا يرضى بغير أحكامه تسير عليه وتنظّم حياته وحياة كلّ “إنسان”.

 

يعيش “الإنسان” اليوم في ظلّ نظام وضعه له “إنسان” ألغى عقله – الملكة العظيمة التي وهبها له خالقه ليعقل ويتدبّر ويهتدي بها إلى الحقّ – فتمرّد وألغى أحكام ربّه وأطلق العنان لنفسه وشهواته ورغباته ليصبح أسيرا لها. صار يمشي بلا هدى وبلا غاية تتقاذفه الأمواج ولا يعرف له برّ أمان وأنّى له بذلك وهو تائه ضائع غاب عنه عقله (مناط تكليفه وتمييزه و… “إنسانيّته”!)

 

بالإسلام – وحده – يكون الإنسان إنسانا؛ لا يقوم بعمل ولا يحقّق فعلا إلّا وهو يدرك غايته منه. يسير في هذه الدّنيا وهو يدرك معنى حياته ويعقل أنّه مكلّف وأنّه ليس كسائر المخلوقات الأخرى، مؤتمن وعليه أن يحافظ على الأمانة ويؤدّيها. عليه أن يعلم أنّ لخالقه الأمر وأنّ عليه أن لا يسمح وهو “العاقل” بأن يكون غير ذلك فيسير الكون على غير ما سنّه الله له فيختلّ نظامه و”ناموسه”.

 

على الإنسان أن يوقن بأنّه لن يكون “إنسانا” إلّا بالإسلام وأحكامه وإن خالف ذلك فإنّه سيهوي في درك الحيوانيّة يشذّ في تلبية غرائزه وتوفير حاجاته يحيا مخالفا فطرته لتصبح معيشته ضنكا نكدا لا هناء فيها ولا راحة ولا طمأنينة. ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.

 

آمنت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد ﷺ نبيّا ورسولا… أشهد الله على ذلك وأشهده أنّ الإسلام – ووحده الإسلام – علّمني أن أكون إنسانا…

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التّحرير

أختكم: زينة الصّامت