الخلافة تاج الفروض
وهي النظام الذي يطبِّق أحكام الإسلام وبيَّنته السنة وبيَّنت أحكامه
عندما يتحدث العلمانيون عن الخلافة تشعر وكأن حديثهم يخرج من هوة سحيقة أو مستنقع عفن يظهر مدى الحقد الذي يعتمل في نفوسهم على الإسلام وأحكامه وشرعه، وقد وجدوها فرصة سانحة في ظل التوجه العام الذي هيأه النظام المصري بثورته الدينية وسعيه لتجديد الخطاب الديني بما يوافق هوى السادة في البيت الأبيض.
إن من يتطاول على الخلافة ويدعي أنها ليست من الإسلام هو في الحقيقة لا يعلم ما هو الإسلام فضلا عن معرفته بالخلافة وحكمها وشكلها الشرعي وأحكامها وأحكام إقامتها؛ فالخلافة هي النظام الذي حدده رسول الله e كنظام حكم للأمة بقوله كما في مسند الإمام أحمد، عن النبي e قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» وهي الطريقة التي بينتها السنة كطريقة لتطبيق أحكام الإسلام الواجبة التطبيق لقوله تعالى ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، فتحكيم الإسلام واجب وكيفية التحكيم تؤخذ من عند رسول الله e، وقد أخبر النبي e عنها ووضح في غير موضع وجوب وجودها ووجوب بيعة الخليفة أو الإمام وكونه واحدا فقط لكل الأمة، أي تكون رئاسته عامة لكل الأمة لا ينازعه فيها منازع، وأوجب قتال وقتل من ينازعه كائنا من كان «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ» ويروي عبادة بن الصامت قائلا «دَعَانَا النَّبِيُّ e فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» ويقول e «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» والخلافة أو الإمامة هي رئاسة عامة لجميع المسلمين ولا يجوز أن يخلو زمان من وجود إمام أو خليفة للأمة يقوم بهذا الدين. (لما مات رسول الله e قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته “ألا إن محمداً قد مات، ولا بدَّ لهذا الدين ممن يقوم به”، فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا لأجله أهم الأعمال حينها، وهو دفن رسول الله e، ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا مِنْ نَصْب إمام متَّبَع في كل عصر…) (المواقف، ص 395). فهذا النص يتحدث عن نصب الإمام في كل زمان، وليس نصب الإمام في زمان معين، كما تفيد العبارات (تواتر إجماع الصحابة… على امتناع خلو الوقت عن إمام)، و(لم يزل الناس على ذلك… مِنْ نَصْب إمام متَّبَع في كل عصر…). ويقول الماوردي (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا) – الأحكام السلطانية.
أيها المتطاولون على الخلافة، لتعلموا جيدا أن حربكم على الخلافة ومحاولاتكم تشويه صورتها وتزييف تاريخها لن تمنع عودتها التي بشر بها رسول الله e، ولن تمنع سقوط الرأسمالية الوشيك بعدما أذاقت العالم الويلات، نعم فستقوم قريبا الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لتملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما، دولة حق وقسط وعدل كدولة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، تطبق الإسلام في الداخل فيراه الناس وقد صار واقعا عمليا ملموسا محسوسا متجسدا بعدله وتطبيق أحكامه فيدخل الناس في دين الله أفواجا وتنقلب الشعوب على حكامها طمعا في الدخول تحت راية الإسلام فيظلهم بعدله ورعاية دولته، وهذا أخشى ما يخشاه السادة في الغرب الكافر، فهم يعلمون يقينا أنه لو قامت في بلادنا دولة تحمل الإسلام كمبدأ ومنهج حياة فلن تقوم لدولهم قائمة وسيتوقف قطار النهب لثروات الأمة إلى غير رجعة، وفوق هذا لن يأمنوا في عقر دارهم إن بقي لهم عقر دار ولن ترحمهم شعوبهم التي كذبوا عليها لعقود طويلة.
ولذلك فالغرب يحارب إقامة الخلافة بكل أسلحته وأدواته التي أنتم جزء منها أيها المضبوعون وحكامكم العملاء الذين هيأوا لكم الأجواء، وصراع الغرب مع الأمة وإسلامها هو صراع وجود وصراع مبادئ لن ينتهي إلا بإقامة دولة الإسلام وهي قائمة لا محالة بإذن الله مهما حاولتم تأخير قيامها فهذا أقصى ما يمكنكم، وحين قيامها لن ينفعكم الغرب الذي تسوقون فكرته ومشروعه وتحملون مبدأه وسيكون أسرع للبراءة منكم.
أيها المسلمون! إن هجمة الغرب الشرسة على الخلافة بعملائه وأدواته وإعلامه الخبيث إنما تشتد الآن لأنه يعلم خطرها عليه وعلى وجوده حاكما لبلادنا مهيمنا على خيراتنا وثرواتنا، وقد أدرك قرب عودتها وأن الأمة تتوق إليها، ولم يعد بينهم وبين عودتها إلا أن يستجيب المخلصون من أهل القوة فيقيموها فتخرج البلاد من قبضتهم وتنتهي عهود رفاهيتهم ورغد عيشهم على حساب خيراتنا وثرواتنا، وفوق هذا يتبين للناس كذبهم وغشهم وتزييفهم لتاريخنا الناصع المشرف، وإن دولتنا هذه قائمة لا محالة نعمل لها، ولا ولن نكلّ حتى تصبح واقعا نحياه أو نُقبر دونها… فاللهم عجل لنا بها واجعلنا من جنودها وشهودها. آمين
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله عبد الرحمن
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
2018_01_06_Art_Khilafah_the_crown_of_the_obligations_AR_OK.pdf