الكيان السياسي وأدواته وعلاقته بالمبدأ قوة وضعفا
كثيرة هي الأخبار التي تنشر كل يوم عن سلوك السياسيين في السلطة بحيث تظهر مدى الارتباط بين الفكرة والطريقة ودور الكيان السياسي والأدوات السياسية في الحكم والوسط السياسي.
ورد في كتاب مفاهيم سياسية وهو من منشورات حزب التحرير:
“وأما اختلاف النظرة للاستعمار، من حيث ارتباطه (كطريقة) بالرأسمالية (كفكرة)، فإنها أصبحت تتردد بين: قوة هذا الارتباط، أي إن الاستعمار طريقة فحسب لنشر الرأسمالية، ما يعني أن الاهتمام الأول هو لنشر الرأسمالية، وبين ضعف هذا الارتباط، أي إن الاهتمام الأول هو للاستعمار نفسه، الاهتمام الثانوي هو لنشر الرأسمالية، فكأن الاستعمار قد اقترب من أن يكون غاية. وقوة الارتباط أو ضعفه يتوقف على البلاد التي تريد الدول الرأسمالية السيطرة عليها، أهي ذات حضارة تريد غزوها وإدخال الحضارة الرأسمالية الفاسدة إليها؛ لتسهيل السيطرة عليها ونهب خيراتها، أم هي خالية الوفاض، لا حضارة فيها تحتاج إلى غزو، بل تستعمرها لنهب ثرواتها والسيطرة عليها فحسب؟ وهذا يتضح من كون صراع الدول الغربية في استعمارها لأفريقيا قد أخذ حدته في الاستغلال، ويكاد نشر الفكرة الرأسمالية أن لا يكون له وجود…”.
لقد بات من الملاحظ منذ فترة قريبة غياب ربط الشعارات والأفكار والمفاهيم الغربية بالسياسة الخارجية، بمعنى أدق عدم الربط المحكم بين الكيان السياسي والمبدأ فكرة وطريقة من حيث التطبيق للمبدأ في الداخل وحمله إلى العالم في الخارج، وهذا نتيجة ما ورد أعلاه من ضعف الارتباط بين كون الاستعمار طريقة لنشر المبدأ الرأسمالي وبين كونه غاية بحد ذاته، ولا شك أن الفرق كبير بينهما، فكونه طريقة لنشر المبدأ يعني أن الاهتمام الأول هو لنشر الرأسمالية.
والكيان السياسي في الأصل هو لخدمة الفكرة وآلية تنفيذها، وأما الأدوات السياسية في الكيان على كافة أشكالها فالأصل فيها أنها من جنس الفكرة وأمينة وحارسة على التطبيق وإحسانه وحمله إلى العالم، وفي حالة ضعف هذا الارتباط، أي إن الاهتمام الأول هو للاستعمار نفسه، والاهتمام الثانوي هو لنشر الرأسمالية، فكأن الاستعمار قد اقترب من أن يكون غاية، وهذا يعني أن الاستعمار انتقل لكونه غاية بحد ذاته بعيداً عن الفكرة، بمعنى أدق أن الكيان السياسي وأدواته في بلد معين هدفهم الأول هو السلب والنهب والاستعمار لذاته بعيدا عن فكرة يراد إيجادها في بلاد معينة، وأقرب مثال وأوضحه هو صراع دول الغرب على أفريقيا استعمارا لذات الاستعمار بعيدا عن أي فكرة لحملها. أما فيما يتعلق ببلاد الإسلام فصحيح أن الدول الرأسمالية وممارساتها ظاهر فيها السلب والنهب وجمع الأموال وسداد ديون ومسلتزمات الدول الغربية لكنها في الوقت نفسه تدرك هذه الدول الغربية أن هناك مبدأ وعقيدة لهذه الأمة، وأن ارتباط الأمة كأمة هو ارتباط حتمي غير قابل للانفصال لأن فكرة ارتداد الأمة عن المبدأ غير واردة نهائيا، وهذا أمر يدركه الغرب ولا يمكنه الغفلة عنه، لذا كان من أكثر الأمور التي تجعل نظرة الدول الغربية تظهر للاستعمار كطريقة أو غاية وبين قوة الارتباط وضعفه يعتمد على طبيعية الدول التي تريد الدول الغربية السيطرة عليها؛ فإن كانت ذات حضارة وأمة عقيدة وفكرة فيكون الارتباط قويا بين الفكرة والطريقة الرأسمالية بجعل الاستعمار طريقة لنشر المفاهيم الغربية ومحاولة القضاء على مفاهيم الأمة الأصلية، وما محاربة (الإرهاب) و(التطرف) وإعادة النظر في سياسات التعليم ومنهاج الدراسة وتمكين المرأة والمساواة… ما هذه السياسات إلا من هذا الباب، ولا يعني هذا الأمر نهائيا عدم نهب ثروات الأمة واستغلالها ونهب أموالها ومقدراتها، فهذا في بلاد المسلمين لا يتعارض مع كون الأصل هو لنشر مفاهيم الحضارة الغربية لأن بلادنا ذات فكرة وحضارة ومبدأ وأمة حية تاريخا وحاضرا – ولو كانت مسلوبة الإرادة حاليا – لأن حقيقة سلب الإرادة لها من الغرب إنما هو اعتراف بكونه طغياناً مادياً وليس طغيانا فكريا روحيا، فهي مقيدة والمقيّد تتأجج فيه نيران الغضب وشدة القيد ولن يستسلم لها طالما فيه طاقة فكرية مبنية على أساس روحي ترى في النفس البشرية أنها ما خلقت إلا لفكرتها وعقيدتها.
وما قصة عبد الله بن حذافة إلا مثال بسيط وعظيم على ما ذكر: (واللهِ ما أبكاني إلا أني قلت في نفسي: تُلْقى الآن في هذه القدر، فتذهب نفسك، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعرٍ أنفُسٌ، فتُلقى كلُّها في هذه القدر في سبيل الله…).
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان (أبو البراء)