Take a fresh look at your lifestyle.

تونس إلى أين…؟

 

 

تونس إلى أين…؟

 

تعتبر الفترة الأخيرة من كل سنة هي الأكثر نشاطا لبعثات صندوق النقد والبنك الدوليين في جميع بلدان العالم وخاصة منها الدول النامية التي تسيطر عليها الدول الكبرى وذلك بهدف إضفاء الصبغة التشريعية للإملاءات التي تفرضها على هذه الشعوب من خلال قانون المالية للسنة القادمة.

 

فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول ميزانية 2018 ومآلاتها على الناس فلا نرى آمالا ولا آفاقا، نفس السياسات المنتهجة، حكام تربوا على الذل والتبعية والارتماء في أحضان المؤسسات الاستعمارية. فتونس تعاني من انحدار شديد للاقتصاد، حكومات متعاقبة لا نسمع منها غير الوعود الزائفة. المؤشرات المعمول بها عالميا لم تتحسن، فقد ارتفعت نسبة الدين العمومي من 44,6% سنة 2011 إلى 63% سنة 2016، ونسبة العجز في الميزانية ارتفعت خلال هذه السنة من 5,7% إلى 6,1%. كذلك متوسط النمو السنوي لم يتجاوز 1,5% سنة 2017.

 

هل النهوض بالاقتصاد المتهاوي يكون بمزيد التداين؟

 

لقد واجهت تونس صعوبات في تسديد 6 مليار دينار من الديون الخارجية المستحقة خلال سنة 2016 وتجد السلطة نفسها خلال السنة الحالية ملزمة بدفع قرابة 9 مليار دينار. وفي هذا الإطار، صادق مجلس النواب خلال الأشهر الستة الأخيرة على 19 قرضا خارجيا.

 

حكومات لا نرى منها غير الاقتراض ولا نسمع إلا عن مفاوضات ولقاءات مع صندوق النقد والبنك الدوليين!! كيف لا وهذه المؤسسات ومن ورائها الدول الغربية هي من تتحكم وترسم السياسات في بلادنا، زيارات قصد تفقد مدى التزام الحكومة التونسية بالشروط المفروضة عليها أو أوامر علنية للتسريع في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة!!! فيكون رد الحكومة بالسمع والطاعة والتعهد بترجمة طموحات صندوق النقد في قانون المالية لسنة 2018.

 

إن المطلع على قانون الميزانية يتبين العجز الذي يحتويه، فهو يبرر هيمنة الأجنبي وتحكمه في البلاد. فيوضع أهل البلد بين خيارين إما الضرائب أو الموت جوعا!

 

فحسب قانون المالية سيتم الترفيع في الأداءات والضرائب، فحجم الميزانية للدولة سنة 2018 في حدود 36 مليار دينار، أي أن هناك عجزاً قدر بحوالي 5.2 مليار دينار بنسبة 4,9% من الناتج المحلي الإجمالي، نسبة عالية لن تزيد الطين إلا بلة. كما سيتم إحداث معاليم جديدة وسيقع الترفيع بسبعة نقاط في نسبة الأداءات على القيمة المضافة يعني من نسبة 7% إلى 14% ومن نسبة 12% إلى 19%.

 

فأكثر من 65% من جملة الموارد متأتية أساسا من الموارد الجبائية رغم ما يعانيه الناس من حالة التدني في القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار. فقد صنفت تونس في المرتبة الـ17دوليا ضمن الدول التي تفرض ضرائب عالية.

 

كما سيقع الترفيع في معاليم الاستهلاك لكن في المقابل نجد نسبة المعلوم على الاستهلاك الموظف على بعض المنتوجات المتعلقة بالخمور والتبغ لم تشملها الزيادة. أما عائدات النفط والغاز ومداخيل الأملاك المصادرة فلا تمثل سوى 8%. هذا حال حكومات فرطت في ثروات بلادها للمستعمر. كيف ببلد كتونس بالكمّ الهائل من الثروات وتعاني من عجز الميزان التجاري؟!

 

بدل الحد من البطالة التي بلغت 40% في صفوف الشباب، هناك قرابة 700 ألف عاطل عن العمل، فنجد الدولة الموقرة تعمل على تعميق الأزمة!! فحكومة الشاهد اتخذت قرارا للسنة الثانية على التوالي بالتخلي عن الانتدابات الجديدة في الوظيفة العمومية إلى جانب عدم تعويض الشغورات الناتجة عن الإحالة على التقاعد وتسريح 120 ألف موظف عمومي مع حلول سنة 2020.

 

كما أقرت الدولة مساهمة اجتماعية عامة على الدخل الخاضع للضرائب بـ1%. هكذا تسعى الدولة بأي طريقة لضخ الأموال إلى خزينتها سواء بإيقاف الانتدابات في القطاع العام أو تسريح الموظفين أو الزيادة في الأسعار أو فرض المزيد من الضرائب على ضعاف الحال أو رفع الدعم عن غالبية السلع…

 

أما نصيب الوزارات ومؤسسات الدولة من هذه الميزانية، فقد خصصت أعلى نسبة لوزارتي الداخلية والدفاع بنسبة 14% من مجمل الميزانية، كذلك حظيت رئاسة الحكومة ووزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان! لكن أين الخدمات الإنسانية والصحة والتعليم والتشغيل من اهتمامات الدولة؟

 

فقد قامت الدولة بخفض مستوى الإنفاق العمومي غير العسكري، والخدمات الإنسانية التي يستفيد منها الفقراء ومحدودي الدخل، كثيرا ما نسمع عن مدارس بدون مدرسين، ومستشفيات بدون معدات ولا إطارات طبية وشبه طبية. في المقابل هذا يسمح بهامش كبير من التبذير في مجالات أخرى كثيرة كالإفراط في منح امتيازات ورواتب إلى كبار الموظفين في الدولة.

 

إن النظام الرأسمالي يحرص على حماية مصالح ونفوذ أصحاب رؤوس الأموال، لذلك نجد شيطنة للقطاع العام كي يحل محلها القطاع الخاص في مجالات التعليم، والصحة، والنقل، والإسكان…

 

فمفهوم الخدمات الإنسانية أصبح مفهوما فارغا حفاظا ودفاعا عن مصالح الأغنياء مما يتناسب مع قرارات البنك والصندوق الدوليين، والشعب من جهته يعيش ضنكا وتأزما للأوضاع. أما حين يتعلق الأمر بالاستثمار الأجنبي الذي تعتبره الدولة الحل السحري لكل المصائب فنراها تمنح المستثمرين الأجانب وخاصة الأوروبيين جميع الامتيازات الممكنة من إعفاءات من الضرائب وتكفلها بمساهمات الصناديق (الاجتماعية) وتمكينهم من منح مالية بلغت أكثر من 2 مليار دينار فبذلك تكون تونس تحت هيمنة الشركات الاستعمارية. إن من يسعى جادا لإنقاذ البلاد لا بد له من أن يبحث عن حلول خارج النظام الرأسمالي مسبب الأزمات والشقاء للبشرية. فالمبدأ الرأسمالي يفتقد كيفية عملية لتوزيع الثورة، فنظرته مبنية على أساس النفعية. والدولة تتبع سياسات رأسمالية فاسدة لا تنتج إلا المصائب ولكنها تجعل الناس هم من يتحملون تبعات الأزمة الاقتصادية.

 

إن الحل لأهل تونس ولكل بلاد المسلمين هو بالتخلص من النظام الرأسمالي والعمل مع المخلصين الصادقين لإقامة دولة الخلافة الراشدة فهي وحدها القادرة على الخروج من هذه المتاهة. فالإسلام يضمن توزيع الثروة على جميع الناس فردا فردا… يقول e: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ»، فيضمن إشباع حاجياتهم الأساسية إشباعا كليا إلى جانب تمكينهم من إشباع حاجياتهم الكمالية على أكبر قدر مستطاع.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندسة زينب بن رحومة

 

 

2018_01_22_Art_Tunisia_to_where_AR_OK.pdf