بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح61) مسألة بيعة الخليفة (ج5)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا “بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام” وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةِ وَالسِّتِينَ, وَعُنوَانُهَا:”مَسألَةُ بَيعَةِ الخَلِيفَةِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّامِنَةِ وَالأربَعِينَ مِنْ كِتَابِ “نظَامِ الإِسلامِ” لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: “وَهَا هُنَا مَسألَةٌ فِي بَيْعَةِ الخَلِيفَةِ، فَإنَّ مِنَ المَقطُوعِ بِهِ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الخِلافَةِ نِظَامُ وِرَاثَةٍ، أيْ لَمْ تَكُنِ الوِرَاثَةُ حُكْمًا مُقَرَّرًا فِي الدَّولَةِ يُؤْخَذُ الحُكْمُ – أيْ تُؤخَذُ رِئَاسَةُ الدَّولَةِ – بِمُوجَبِهَا كَمَا هِيَ الحَالُ فِي النِّظَامِ المَلَكِيِّ، وَإنَّمَا كَانَ الحُكْمُ المُقَرَّرُ فِي الدَّولَةِ لأخْذِ الحُكْمِ هُوَ البَيعَةَ، كَانَتْ تُؤخَذُ مِنَ المُسلِمِينَ فِي بَعْضِ العُصُورِ، وَمِنْ أهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ فِي البَعضِ الآخَرِ، وَمِنْ شَيخِ الإِسلامِ فِي آخِرِ العَصْرِ الهَابِطِ. وَالَّذِي جَرَى عَلَيهِ العَمَلُ فِي جَمِيعِ عُصُورِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ أنَّهُ لَمْ يُنَصَّبْ أيُّ خَلِيفَةٍ إِلاَّ بِالبَيعَةِ، وَلَمْ يُنَصَّبْ بِالوِرَاثَةِ دُونَ بَيعَةٍ عَلَى الإِطلاقِ، وَلَمْ تُرْوَ وَلا حَادِثةٌ وَاحِدةٌ أنَّهُ نُصِّبَ خَلِيفَةٌ بِالوِرَاثَةِ مِنْ غَيرِ بَيعَةٍ. غَيرَ أنَّهُ كَانَ يُسَاءُ تَطبِيقُ أخْذِ البَيعَةِ، فَيَأْخُذُهَا الخَلِيفَةُ مِنَ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِ لابنِهِ، أو أخِيهِ، أو ابنِ عَمِّهِ، أو شَخْصٍ مِنْ أُسرَتِهِ، ثُمَّ تُجَدَّدُ البَيعَةُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ بَعدَ وَفَاةِ الخَلِيفَةِ، وَهَذِهِ إِسَاءَةٌ لِتَطبِيقِ البَيعَةِ وَلَيسَتْ وِرَاثَةً، وَلا وِلايةَ عَهْدٍ. كَمَا أنَّ إساءةَ تطبيقِ نظامِ الانتخاباتِ لمجلسِ النُوَّابِ في النظامِ الديمقراطيِّ تُسَمَّى انْتِخَابَاً ولا تُسَمَّى تَعْيِينَاً، ولوْ فازَ في الانتخاباتِ الأشخاصُ الَّذينَ تريدُهُمُ الحكومةُ، ومنْ ذلكَ كلِّهِ نرى أنَّ النظامَ الإسلاميَّ طُبِّقَ عملِيَّاً، ولمْ يُطَبَّقْ غيرُهُ في جميعِ عصورِ الدولةِ الإسلاميَّةِ”.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: نِظَامُ الحُكْمِ فِي الإِسلامِ – بِتَعرِيفِهِ الشَّامِلِ الجَامِعِ وَالمَانِعِ كَمَا عَرَّفَهُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ – هُوَ النِّظَامُ الَّذِي يُبَيِّنُ شَكْلَ الدَّولَةِ, وَصِفَتَهَا, وَقَواعِدَهَا, وَأركَانَهَا, وَأجهِزَتَهَا, وَالأسَاسَ الَّذِي تَقُومُ عَلَيهِ, وَالأفكَارَ وَالمَفَاهِيمَ الَّتِي تُرعَى الشُّؤُونُ بِمُقتَضَاهَا, وَالدُّستُورَ وَالقَوانِينَ الَّتِي تُطَبِّقُهَا … وَهُوَ نِظَامٌ خَاصٌّ مُتَمَيِّزُ لِدَولَةٍ خَاصَّةٍ مُتَمَيِّزَةٍ. بَعْدَ هَذَا التَّعرِيفِ نَعُودُ لِمَوضُوعِنَا الأَسَاسِيِّ, فنَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَعرِضِ بَحثِهِ لِلقِيَادَةِ الفِكرِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ إِجَابَتَهُ عَنْ مَسألةٍ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةِ وَهِيَ: هَلْ طَبَّقَ المُسلِمُونَ الإِسلامَ, أمْ أنَّهُمْ كَانُوا يَعتَنِقُونَ عَقِيدَتَهُ وَيُطَبِّقُونَ غَيرَهُ مِنَ الأنظِمَةِ وَالأحكَامِ؟! وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الإِجَابَةِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَةِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
1. مِنَ المَقطُوعِ بِهِ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الخِلافَةِ نِظَامُ وِرَاثَةٍ، أيْ لَمْ تَكُنِ الوِرَاثَةُ حُكْمًا مُقَرَّرًا فِي الدَّولَةِ يُؤْخَذُ الحُكْمُ – أيْ تُؤخَذُ رِئَاسَةُ الدَّولَةِ – بِمُوجَبِهَا كَمَا هِيَ الحَالُ فِي النِّظَامِ المَلَكِيِّ.
2. الحُكْمُ المُقَرَّرُ فِي الدَّولَةِ لأخْذِ الحُكْمِ هُوَ البَيعَةَ.
3. مِمَّنْ كَانَتْ تُؤخَذُ البَيعَةُ لِخَلِيفَةِ المُسلِمِينَ:
1) كَانَتْ تُؤخَذُ البَيعَةُ مِنَ المُسلِمِينَ فِي بَعْضِ العُصُورِ.
2) وَتُؤخَذُ البَيعَةُ مِنْ أهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ فِي البَعضِ الآخَرِ.
3) وَتُؤخَذُ البَيعَةُ مِنْ شَيخِ الإِسلامِ فِي آخِرِ العَصْرِ الهَابِطِ.
4. الَّذِي جَرَى عَلَيهِ العَمَلُ فِي جَمِيعِ عُصُورِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ:
1) أنَّهُ لَمْ يُنَصَّبْ أيُّ خَلِيفَةٍ إِلاَّ بِالبَيعَةِ.
2) وَلَمْ يُنَصَّبْ بِالوِرَاثَةِ دُونَ بَيعَةٍ عَلَى الإِطلاقِ.
3) وَلَمْ تُرْوَ وَلا حَادِثةٌ وَاحِدةٌ أنَّهُ نُصِّبَ خَلِيفَةٌ بِالوِرَاثَةِ مِنْ غَيرِ بَيعَةٍ.
5. إِسَاءَةُ أخْذِ البَيعَةِ لِخَلِيفَةِ المُسلِمِينَ:
1) كَانَ يُسَاءُ تَطبِيقُ أخْذِ البَيعَةِ، فَيَأْخُذُهَا الخَلِيفَةُ مِنَ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِ لابنِهِ، أو أخِيهِ، أو ابنِ عَمِّهِ، أو شَخْصٍ مِنْ أُسرَتِهِ، ثُمَّ تُجَدَّدُ البَيعَةُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ بَعدَ وَفَاةِ الخَلِيفَةِ.
2) هَذِهِ إِسَاءَةٌ لِتَطبِيقِ البَيعَةِ وَلَيسَتْ وِرَاثَةً، وَلا وِلايةَ عَهْدٍ.
6. الخلاصة:
1) إِسَاءَةُ تَطبِيقِ البَيعَةِ كَإِسَاءةَ تَطبِيقِ نِظَامِ الانتِخَابَاتِ لمَجلِسِ النُوَّابِ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقرَاطِيِّ تُسَمَّى انْتِخَابَاً ولا تُسَمَّى تَعْيِينَاً، ولوْ فازَ في الانتخاباتِ الأشخاصُ الَّذينَ تريدُهُمُ الحكومةُ.
2) منْ ذلكَ كلِّهِ نرى أنَّ النظامَ الإسلاميَّ طُبِّقَ عملِيَّاً، ولمْ يُطَبَّقْ غيرُهُ في جميعِ عصورِ الدولةِ الإسلاميَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.