بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح132) لِلمُسلِمِينَ الحَقُّ فِي إِقَامَةِ أَحْزَابٍ سِيَاسِيَّةٍ لِـمُحَاسَبَةِ الحُكَّامِ، أَوِ الوُصُولِ لِلحُكْمِ عَنْ طَرِيقِ الأُمَّةِ
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
الحَلْقَةُ الثَّانِيَةُ والثَّلَاثونَ بَعدَ المِائَةِ
(ح132) لِلمُسلِمِينَ الحَقُّ فِي إِقَامَةِ أَحْزَابٍ سِيَاسِيَّةٍ لِـمُحَاسَبَةِ الحُكَّامِ، أَوِ الوُصُولِ لِلحُكْمِ عَنْ طَرِيقِ الأُمَّةِ
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا “بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام” وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ والثَّلَاثِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: “لِلمُسلِمِينَ الحَقُّ فِي إِقَامَةِ أَحْزَابٍ سِيَاسِيَّةٍ لِـمُحَاسَبَةِ الحُكَّامِ، أَوِ الوُصُولِ لِلحُكْمِ عَنْ طَرِيقِ الأُمَّةِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ “نظامُ الإسلام” لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 21– لِلمُسلِمِينَ الحَقُّ فِي إِقَامَةِ أَحْزَابٍ سِيَاسِيَّةٍ لِـمُحَاسَبَةِ الحُكَّامِ، أَوِ الوُصُولِ لِلحُكْمِ عَنْ طَرِيقِ الأُمَّةِ على شرطِ أنْ يكونَ أساسُها العقيدةَ الإسلاميةَ، وأنْ تكونَ الأحكامُ التي تتبناها أحكاماً شرعية. ولا يحتاجُ إنشاءُ الحزبِ لأيِّ ترخيصٍ. ويُـمْنَعُ أيُّ تكتلٍ يقومُ على غيرِ أساسِ الإسلامِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمسلمٌونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذه هي الـمَادَّةُ الحَادِيَةُ وَالعِشْرُونَ, وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
وَدَلِيلُهَا قَولُهُ تَعَالَى: (وَلْتَكُنْ مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأْمُرُونَ بِالـمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ الـمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الـمُفلِحُونَ). وَوَجْهُ الاستِدْلَالِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى إِقَامَةِ أَحْزَابٍ سِيَاسِيَّةٍ هُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ الـمُسلِمِينَ بِأَنْ تَكُونَ مِنهُمْ جَمَاعَةٌ تَقُومُ بِالدَّعوَةِ إِلَى الخَيرِ، أَيِ الدَّعْوَةِ إِلَى الإِسـلَامِ، وَتَقُومُ كَذَلِكَ بِالأَمْـرِ بِالـمَعرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الـمُنكَرِ. فَقَولُهُ تَعَالَى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ). أَمْرٌ بِإِيجَادِ جَمَاعَةٍ مُتَكَتِّلَةٍ تَكَتُّلاً يُوجَدُ لَـهَا وَصْفُ الجَمَاعَةِ مِنْ بَينِ جَمَاعَةِ الـمُسلِمِينَ. إِذْ قَالَ: (مِنْكُمْ). فَالـمُرَادُ بِقَولِهِ: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ) لِتَكُنْ جَمَاعَةٌ مِنَ الـمُسلِمِينَ، لَا أَنْ يَكُونَ الـمسلمٌونَ جَمَاعَةً، أَيْ لِتَكُنْ مِنَ الـمُسلِمِينَ أُمَّةٌ, وَلَيسَ مَعنَاهُ لِيَكُنِ الـمسلمٌونَ أُمَّةً. لِأَنَّ «مِنْ» فِي الآيَةِ لِلتَّبعِيضِ, وَلَيسَتْ لِبَيَانِ الجِنْسِ، وَضَابِطُهَا أَنْ يَصْلُحَ مَكَانَهَا لَفظُ «بَعْضُ» فَنَقُولُ: (وَلْيَكُنْ بَعضُكُمْ أُمَّةً) فِي حِينِ لَا يَصلُحُ وَضْعُ لَفْظِ «بَعضُ» فِي الآيَةِ: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ). (النور 55) فَلَا نَقُولُ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْضَكُمْ) وَلِذَلِكَ هِيَ هُنَا لِبَيَانِ الجِنْسِ أَيْ لَا يُقْصَرُ الوَعْدُ عَلَى جِيلِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ, بَلِ الوَعْدُ لِكُلِّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. وَعَلَيهِ فَمَا دَامَتْ «مِنْ» فِي الآيَةِ: (وَلْتَكُنْ مِنكُمْ أُمَّةٌ) لِلتَّبعِيضِ فَإِنَّ هَذَا يَعنِي أَمرَينِ:
أَحَدَهُمَا: أَنَّ إِقَامَةَ جَمَاعَةٍ مِنْ بَينِ الـمُسلِمِينَ فَرضُ كِفَايَةٍ, وَلَيسَ فَرْضَ عَينٍ.
وَثَانِيَهُمَا: أَنَّ وُجُودَ كُتْلَةٍ لَهَا صِفَةُ الجَمَاعَةِ، مِنَ الـمُسلِمِينَ يَكفِي لِلقِيَامِ بِهَذَا الفَرْضِ مَهْمَا كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الكُتْلَةِ مَا دَامَتْ لَهَا صِفَةُ الجَمَاعَةِ, وَمَا دَامَتْ قَادِرَةً عَلَى القِيَامِ بِالعَمَلِ الـمَطلُوبِ مِنهَا فِي الآيَةِ. فَلَفْظُ (وَلْتَكُنْ) مُخَاطَبٌ بِهِ الأُمَّةُ الإِسلَامِيَّةُ كُلُّهَا, وَلَكِنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى كَلِمَةِ (أُمَّةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ، أَيِ الـمَطلُوبُ مَطلُوبٌ مِنَ الـمُسلِمِينَ جَمِيعًا. وَالشَّيءُ الـمَطلُوبُ إِيجَادُهُ هُوَ جَمَاعَةُ لَهَا صِفَةُ الجَمَاعَةِ، فَيَكُونُ مَعنَى الآَيةِ أَوْجِدُوا أَيُّهَا الـمسلمٌونَ جَمَاعَةً تَقُومُ بِعَمَلَينِ:
أَحَدِهِمَا: أَنْ تَدعُو إِلَى الخَيرِ أَيِ الإِسلَامِ.
والثاني: أَنْ تَأْمُرَ بِالـمَعرُوفِ وَتَنهَى عَنِ الـمُنكَرِ، فَهُوَ طَلَبٌ بِإِيجَادِ جَمَاعَةٍ، وَهَذَا الطَّلَبُ قَدْ بُيِّنَ فِيهِ عَمَلُ هَذِهِ الجَمَاعَةِ. وَهَذَا الطَّلَبُ وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدَ أَمْرٍ (وَلْتَكُنْ) وَلَكِنَّ هُنَاكَ قَرِينَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طَلَبٌ جَازِمٌ، فَإِنَّ العَمَلَ الَّذِي بَيَّنَتْهُ الآيَةُ لِتَقُومَ بِهِ هَذِهِ الجَمَاعَةُ فَرضٌ عَلَى الـمُسلِمِينَ أَنْ يَقُومُوا بِهِ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي آيَاتٍ أُخرَى, وَفِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ, فَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ هَذَا الطَّلَبَ طَلَبٌ جَازِمُ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ الأَمْرُ فِي الآيَةِ لِلوُجُوبِ. فَالآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الـمُسلِمِينَ أَنْ يُقِيمُوا مِنْ بَينِهِمْ جَمَاعَةً تَقُومُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الخَيرِ أَيِ إِلَى الإِسلَامِ، وَبِالأَمْرِ بِالـمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ الـمُنكَرِ. هَذَا مِنْ جِهَةِ كَونِ إِقَامَةِ جَمَاعَةٍ تَقُومُ بِهَذَينِ العَمَلَينِ الـمَذكُورَينِ فِي الآيَةِ فَرْضًا عَلَى الـمُسلِمِينَ يَأثَمُ الـمسلمٌونَ جَمِيعًا إِذَا لَـمْ تُوجَدْ هَذِهِ الجَمَاعَةُ. أَمَّا كَونُ هَذِهِ الجَمَاعَةِ الوَارِدِ إِقَامَتُهَا فِي الآيَةِ حِزْبًا سِيَاسِيًّا فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَيهِ أَنَّ اللهَ لَـمْ يَطلُبْ فِي هَذِهِ الآيَةِ مِنَ الـمُسلِمِينَ أَنْ يَقُومُوا بِالدَّعوَةِ إِلَى الخَيرِ وَالأَمْرِ بِالـمَعرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الـمُنكَرِ، وَإِنَّما طَلَبَ فِيهَا إِقَامَةَ جَمَاعَةٍ تَقُومُ بِهَذَينِ العَمَلَينِ، فَالـمَطلُوبُ لَيسَ القِيَامَ بِالعَمَلَينِ, بَلْ إِقَامَةُ جَمَاعَةٍ تَقُومُ بِهِمَا. فَيَكُونُ الأَمْرُ مُسَلَّطًا عَلَى إِقَامَةِ الجَمَاعَةِ, وَلَيسَ عَلَى العَمَلَينِ. وَالعَمَلَانِ هُمَا بَيَانٌ لِأَعْمَالِ الجَمَاعَةِ الـمَطلُوبِ إِيجَادُهَا, وَلَيسَا هُمَا الأَمْرَ الـمَطلُوبَ فَيَكُونَانِ وَصْفًا مُعَيِّنًا لِنَوعِ الجَمَاعَةِ الـمَطلُوبِ إِيجَادُهَا. وَالجَمَاعَةُ حَتَّى تَكُونَ جَمَاعَةً تَستَطِيعُ مُبَاشَرَةَ العَمَلِ بِوَصْفِ الجَمَاعَةِ لَا بُدَّ لَـهَا مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ حَتَّى تَكُونَ جَمَاعَةً, وَتَظَلَّ جَمَاعَةً وَهِيَ تَقُومُ بِالعَمَلِ، فَحَتَّى تَكْسِبَ الجَمَاعَةُ الوَصْفَ الَّذِي جَاءَ فِي الآيَةِ وَهُوَ جَمَاعَةٌ تَعْمَلُ عَمَلَينِ لَا بُدَّ لَهَا مِـمَّا يُوجِدُهَا جَمَاعَةً, وَيُبقِيهَا جَمَاعَةً وَهِيَ تَعْمَلُ:
أَوَّلًا: الَّذِي يُوجِدُهَا جَمَاعَةً هُوَ وُجُودُ رَابِطَةٍ تَربِطُ أَعضَاءَهَا؛ لِيَكُونُوا جِسْمًا وَاحِدًا أَيْ كُتلَةً وَمِنْ غَيرِ وُجُودِ هَذِهِ الرَّابِطَةِ لَا تُوجَدُ الجَمَاعَةُ الـمَطلُوبُ إِيجَادُهَا، وَهِيَ جَمَاعَةٌ تَعْمَلُ بِوَصْفِهَا جَمَاعَةً.
ثَانِيًا: الَّذِي يُبقِيْهَا جَمَاعَةً وَهِيَ تَعمَلُ هُوَ وُجُودُ أَمِيرٍ لَـهَا تَجِبُ طَاعَتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ كُلَّ جَمَاعَةٍ بَلَغَتْ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا بِإِقَامَةِ أَمِيرٍ. قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ: «وَلا يَحِلُّ لِثَلاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلاةٍ إِلاَّ أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ». أَخرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ. وَلِأَنَّ تَرْكَ الطَّاعَةِ يُخرِجُ عَنْ الجَمَاعَةِ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيثِ الـمُتَّفَقِ عَلَيهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسلِم: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» فَجَعَلَ الخُرُوجَ عَلَى الأَمِيرِ مُفَارَقَةً لِلجَمَاعَةِ. وَإِذَنْ الأَمْرُ الَّذِي يُبقِيهَا جَمَاعَةً وَهِيَ تَعْمَلُ هُوَ طَاعَةُ أَمِيرِ الجَمَاعَةِ. وَهَذَانِ الوَصْفَانِ اللَّذَانِ لَا بُدَّ مِنهُمَا حَتَّى تُوجَدَ الجَمَاعَةُ الَّتِي تَقُومُ بِالعَمَلَينِ وَهِيَ جَمَاعَةٌ, وَهُمَا وُجُودُ رَابِطَةٍ لِلجَمَاعَةِ, وَوُجُودُ أَمِيرٍ لَـهَا وَاجِبُ الطَّاعَةِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ قَولَهُ تَعَالَى: (وَلتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ). يَعْنِي: وَلْتُوجَدْ مِنكُمْ جَمَاعَةُ لَهَا رَابِطَةٌ تَربِطُ أَعضَاءَهَا, وَلَهَا أَمِيرٌ وَاجِبُ الطَّاعَةِ. وَهَذِهِ هِيَ الكُتلَةُ أَوِ الحِزْبُ أَوِ الجَمعِيَّةُ أَوِ الـمُنَظَّمَةُ أَوْ أَيُّ اسْمٍ مِنَ الأَسْمَاءِ الَّتِي تُطلَقُ عَلَى الجَمَاعَةِ الَّتِي تَستَوفِيْ مَا يَجعَلُهَا جَمَاعَةً, وَيُبقِيْهَا جَمَاعَةً وَهِيَ تَعْمَلُ. وَبِذَلِكَ يَظهَرُ أَنَّ الآيَةَ أَمْرٌ بِإِيجَادِ أَحْزَابٍ أَو جَمعِيَّاتٍ أَوْ مُنَظَّمَاتٍ أَو مَا شَاكَلَ ذَلِكَ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يُوجَد فِي الأُمَّةِ حِزْبٌ وَاحِدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُوجَـدَ أَحْـزَابٌ عِـدَّة. وَلَكِنْ إِذَا وُجِدُ حِزْبٌ وَاحِدٌ فَقَدْ حَصَلَ فَرضُ الكِفَايَةِ إِذَا كَانَ هَذَا الحِزْبُ قَدْ قَامَ بِالعَمَلِ الـمَطلُوبِ فِي الآيَةِ, وَلَكِنْ لَا يُمنَعُ مِنْ إِنشَاءِ أَحزَابٍ أُخرَى. فَإِنَّ إِقَامَةَ الحِزْبِ السِّيَاسِيِّ فَرضُ كِفَايَةٍ عَلَى الـمُسلِمِينَ فَإِذَا قَامَ حِزْبٌ وَاحِدٌ, وَأَرَادَ آخَرُونَ أَنْ يُوجِدُوا حِزبًا ثَانِيًا لِيَقُومُوا بِذَلِكَ الفَرْضِ, فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمنَعُوا؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنَ القِيَامِ بِفَرْضٍ وَهُوَ حَرَامٌ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ الـمَنعُ مِنْ إِقَامَةِ أَحْزَابٍ سِيَاسِيَّةٍ ولوْ تَعَدَّدَتْ. إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ فِي الأَحزَابِ الإِسلَامِيَّةِ الَّتِي تَقُومُ عَلَى مَا نَصَّتْ عَلَيهِ الآيَةُ, وَهُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى الخَيرِ, وَالأَمرُ بِالـمَعرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الـمُنكَرِ بِمَا فِي ذَلِكَ أَمْرُ الحُكَّامِ بِالـمَعرُوفِ وَنَهيُهُمْ عَنِ الـمُنكَرِ وَمُحَاسَبَتُهُمْ.
أَمَّا غَيرُهَا فَيُنظَرُ فِيهَا, فَإِنْ كَانَتْ لِلقِيَامِ بِمُحَرَّمٍ كَالدَّعوَةِ إِلَى القَومِيَّةِ، وَكَنَشْرِ الأَفكَارِ غَيرِ الإِسلَامِيَّةِ أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ كَانَ القِيَامُ بِهَذِهِ التَّكَتُّلَاتِ حَرامًا، وَتُمنَعُ مِنْ قِبَلِ الدَّولَةِ، وَيُعَاقَبُ كُلُّ مَنْ يَشتَرِكُ فِيهَا، وَإِنْ لَـم تَكُنْ لِلقِيَامِ بِمُحَرَّمٍ بِأَنْ كَانَتْ لِلقِيَامِ بِمُبَاحٍ وَقَائِمَةً عَلَى أَسَاسٍ مُبَاحٍ كَانَتْ مُبَاحَةً، وَلَكِنَّهَا لَا تَكُونُ قِيَامًا بِالفَرضِ الَّذِي فَرَضَهُ اللهُ بِنَصِّ هَذِهِ الآيَةِ إِلَّا إِذَا كَانَ حِزبًا سِيَاسِيًا مُستَوفِيًا جَمِيعَ مَا جَاءَ فِي الآيَةِ. وَلَـمَّا كَانَ القِيَامُ بِالفَرْضِ لَا يَحتَاجُ إِلَى إِذْنِ الحَاكِمِ، بَلْ إِنْ جَعْلَ القِيَامِ بِالفَرضِ مُتَوَقِّفًا عَلَى إِذْنِ الحَاكِمِ حَرَامٌ، لِهَذَا كَانَ قِيَامُ الأَحْزَابِ السِّيَاسِيَّةِ وَإِنشَاؤُهَا لَا يَحتَاجُ إِلَى تَرخِيصٍ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.