مفاهيم خطرة لضرب الإسلام – ح4 – الوسطية –
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمـتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسـلين, وآله وصحبـه أجمعين, ومن تـبـعه وسار على دربـه, واهتـدى بهديـه, واستـن بسـنـته, ودعا بدعوته إلى يوم الدين, واجعـلنا معهم, واحشرنـا في زمرتـهم, برحمتـك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
قال الله تـعالى في محـكـم كتـابـه, وهو أصدق القائلين{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143
إخوة الإيمان: كثـر الخوض والحديث في الآونة الأخيرة عن الوسطية, وتحدث عنها المتحدثون ممن يقال عنهم إنهم عـلماء ومـفكـرون, وقادة أحزاب سياسيون, وكلـهم يحاولـون إبراز صورة الإسلام عـلى أنـه دين الوسط والتسامح , وأنـه دين لا يعرف الغلو ولا التشدد, بـل هو دين معتدل.
وقد استدلـوا على ذلك بآيات وأحاديث تـظهر تسامح الإسلام ووسطيتـه, وعلى رأس تلك الأدلـة قولـه تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143
كما عـقدت لذلك مؤتمرات وندوات وحوارات, تم نقلـها عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. وكان ذلك بدعم من دول لا تعترف بالإسلام إلا بوصفه دينا كهنـوتيا لا دخل له في الحياة إلا فيما يتعلق بالعبادات فقط. وهي دول تريد أن تجعل لنفسها غطاء شرعيا لتـقوم وتستمـر بكــل أعمالها الإجرامية في حق المسلمين من تنكيل وإبادة, وتحريف في الدين عبر المناهج والمنابـر .
فما هي الوسطيـة ؟ ومن أين جاءت؟ ولماذا تـطرح؟ وما هو حكم الله فيها؟
للإجابة إخوة الإيمان عن هذه التساؤلات نقول: إن مصطلح الوسطية لم يظهر عند المسلمين إلا في العصر الحديث بعد هدم دولة الخلافة في مطلع القرن العشرين, ويـقصد به الاعتدال وعدم التطرف, وهو مصطلح دخيل في لفظه ومعناه, مصدره الغرب, والمبدأ الرأسمالي تحديدا .
ذلك المبدأ الذي بنيت عقيدتـه عـلى الحـل الوسط , الحـل الذي نشأ نتيجة الصراع الدموي بين الكنيسة والمـلوك التابعين لها من جهة, وبين المـفكرين والفلاسفة الغربيـين من جهة أخرى.
الفريق الأول يرى أن الدين النـصراني دين صالح لمعالجة جميع شـؤون الحياة , والفريق الثاني يرى أن هذا الدين غـير صالح لذلك, فهو سبب الظلم والتأخر؛ فأنكروه وأنكروا صلاحيته, واستعاضوا عـنه بالعقل الذي هو حسب رأيهم قادرعـلى وضع نظام صالح لتنظيم شؤون الحياة.
وبعد صراع مرير بين الفريقين , اتفقـوا عـلى حـل وسط وهو الاعتراف بالدين عـلى أنـه ينظـم العلاقة بين الإنسان وخالقه فقط , ولا دخل له في الحياة مطلقا , واتخذوا فكرة فصل الدين عن الحياة عقيدة لمبدئهم, انبثق عـنها النـظام الرأسمالي الذي نهضوا عـلى أساسه ثم حمـلوه إلى غيرهم من النـاس بطريقة الاستعمار .
وكان أثرهذا الحل الوسط {الوسطية} بارزا في كل تشريع أو سلوك عند أصحاب المبدأ الرأسمالي, فاعتمدوا عـلى رأي الاغلبية في أخذ التشريع , بغض النظر عن صلاحية وصواب رأي الأقلية, وهم في سلوكهم تجاه القضايا السياسية يتبنون الحل الوسط , دون النظر إلى صواب هذا الحل أو خطئه. ففلسطين مثلا يطالب بها العرب المسلمون على أنـها كلها بلادهم, وفي الوقت نفسه يدعي اليهود أنـها أرض الميعاد التي وعدهم الله بها, فتتـــفق الدول الغربية الرأسمالية على إقامة كيانين في فلسطين, أحدهما لليهود, والآخر للعرب حلا للمشكلة, ويظهر هذا الحل الوسط في كثير من المشكلات, كمشكلة قبرص والسودان وأندونيسيا وكشمير والبوسنة وغيرها.
وبدل أن ينتـقد المسلمون فكرة الوسطية أو الحل الوسط, ويبيــنوا خطأها وزيفـها, أخـذوا بها وصاروا يدعون أنـها موجودة في الإسلام, بل إن الإسلام حسب زعمهم قائم عـليها, فهو بين الروحيـة والماديـة, وبين الواقعيـة والمثالـيـة, وبين الإفراط والتفريط.
وللبرهان عـلى ما ذهبوا إليه استقرأوا الأشياء فوجدوا أن لكــل شيء طرفين ووسطا , والوسط منطقة أمان , بينما الأطراف تتعرض للخـطر والفساد, وأن الوسط مركز القوة, وأنـه منطقة التـعادل والتوازن لكــل قطبين. وما دام للوسطيــة كــل هذه المزايا ــ حسب زعمهم ــ فلا عجب أن تتجلـى في كــل جوانب الإسلام, فالإسلام وسط في الاعتقـاد والتعبـد, ووسط في التشريع والأخلاق وهكذا. ثم إنـهم بحثــوا في النـصوص الشرعية, فــلـووا أعنـاق النـصوص لتلائم ما ذهبوا إليه.
فقالـوا في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}البقرة143
قالوا: ((إن وسطية الأمة الإسلامية إنـماهي مستمدة من وسطية منهجها ونظامها, فليس فيها غــلـو اليهود , ولا تساهـل النـصارى وهكذا )).
إلا أن المعنى الصحيح لهذه الآية هو أن الأمة الإسلامية أمة عـدل , والعدل مـن شروط الشـاهد في الإسلام . والأمة الإسلامية ستكـون شاهدة عـلى الأمم الأخرى عـلى أنـها بلــغتها الإسلام . فالآية وإن جاءت بصيغة الإخبار فهي طلب من الله تعالى للأمة الإسلامية أن تـبلـغ الإسلام لغيرها من الأمم , وهذا مـقتضى الشهادة, ومـقتضى شهادتها أنـها خير الأمم وأشرفـها وأعلاها لقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}آل عمران110
كذلك استدل المنادون بوسطيـة الإسلام بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }الفرقان67. فجعـلـوا للإنفاق طرفين هما الإسراف والتقتير, وجعلـوا له وسطا وهو القـوام, فإن قـدم شخص خروفا لضيف واحد فهو إسراف, وإن لم يـقـدم له شيئا فهو تقتير, وإن قدم ما يكفي له فهو القـوام, وما دام الله حرم الإسراف وحرم التقتير, وأحـل القـوام وهو الإنفاق المعتدل, فمعنى ذلك أنـه شرع في الإنفاق الحل الوسط , واستدلـوا بذلك على وسطية الإسلام .
أما الفـهم الشـرعي الصحيح والذي دلـت عـليه الآيـة والنـصوص الأخرى من الكتاب والسـنـة, فهو أن الإنفاق ثلاثة أنواع اثنان محرمان وهما: الإسراف والتقتير والثالث حلال ومطلوب شرعا وهو القـوام. والقـوام هو الإنفاق حسب أحكام الإسلام ,كثيرا كان أم قليلا , فمن نحر جزورا لضيفه الواحد أو قدم له رغيفا من الخبز فهو جائز, غــنيا كان المضيف أم فقيرا . فأما الإسراف فهو الإنفاق في الحرام, فمن أنفق درهما في شراء الخمر فهو إسراف وهو حرام . وأما التقتير فهو الامتناع عن الإنفاق في الواجب, فلو امتنع شخص عن دفع درهم واحد مستحق عليه من زكاة ماله كان ذلك تقتيرا وهو حرام أيضا .
إخوة الإيمان: إن فكرة الوسطية بهذا المعنى{بين البينين } أو{الوسط بين طرفين} قد نبذها الجاهليـون, وأعلنـوا رفضهم لها, بــل وآثروا الموت عـليها فقال شاعرهم:
وإنــــا لقــــوم لا تـوســط بـيننـــا……….. لنـا الفخر دون العالمين أو القـبر!
إخوة الإيمان: إن فكرة الوسطية أو الحـل الوسط فكرة غريبة عن الإسلام يريد الغربيـون ومن والاهم من المسلمين أن يـلصقـوها بالإسلام باسم الاعتدال والتسامح وعدم التطرف وذلك لحرفنا عن حدودالإسلام وأحكامه.
إخوة الإيمان: إنـنا نـرى أن طرح الوسطية في الوقت الذي لم يتوقف فيه جريان دماء المسلمين على أيدي الكفار الغربيين واليهود هو مكافأة لهم عـلى ما يصنعون, وهو إعلان واعتراف بالاستسلام والإذعان لهم فيما يريدون .
فلما عجزت جيوشهم عن تركيع المسلمين جاءونا بهؤلاء المتكلـمين والمتحدثين, وهم الجيوش البديلـة التي تنـوب عنهم في بلاد المسلمين.
إخوة الإيمان: مؤتمرات ومؤامرات تارة عن الوسطية وتارة عن حوار الأديان وأخرى عن الاعتدال والتطرف, فعن أية وسطية , وأي حوار يتحدث أبواق الكفر والهزيمة …؟؟ وإلى أي عار وخزي يدعون …؟؟
إخوة الإيمان: إن بحث الوسطية لم ينطلـق من منطلق شرعي ابتداء, بل من موقف سياسي يعمـل على تكريس تـوجه عند الأمة يناسب الغرب, إنـه بحث يتعلق باستمرار استعمار العـقول , فلم يعرف المسلمون طوال تاريخهم مفهوم الوسطية إلا بعد أن زالت خلافتـهم , وهزموا وتمزقـوا في حارات سايكس بيكـو وحـكموا بأنظمة الكــفر.
إخوة الإيمان: تبيـن لنـا من كــل ما سبق أنـه لا وسطية , ولا حـل وسط في الإسلام. وعـليه فإنـه يجب علينا أن نرفـض بكــل عـزم وإصرار , وبكــل ما أوتينـا من قــوة طرح الغرب لفكرة التـطرف والاعتدال والوسطية وكــل الأفكار التي لها مساس بعقيدتنـا ودينـنـا, ويجب علينا أيضا أن نرفـض بشدة تدخـلـه في أمور ديننا.
وقـد بشـرنا ربنا عز وجل بأن دينـنـا هو الدين الظـاهر عـلى كــل الأديان فقال جـل من قائل: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ * }التوبة.
فالاعتصام بحبل الله المتين إخوة الإيمان, وحمل دعوة الإسلام والعمل لإقامة الخلافة هو الذي يوحد المسلمين في دولة واحدة ترفـع راية الجهاد لـتنشر الإسلام في العالم , وتحطم الكــفر وأدواته لتـخرج النـاس من الظــلمات إلى النـور , عندها تكون أمتـنا أدت رسالتـها واستجابت لأمر ربها.
وختاما نسأل الله نعالى أن يقـر أعينـنـا وأعينكم بـقيام دولة الخلافـة, وان يجعلـــنـا وإياكم من جـنـودها الأوفـياء المخلصين.