شتان بين رمضان في ظل الخلافة ورمضان في ظل حكم الجاهلية
كيف كان رمضان في ظل الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وكيف عاشه المسلمون حينها؟ وكيف كانت تحضيرات الرسول r والصحابة من بعده للشهر الفضيل؟ وهل الأمر سيان مع ما نعيشه اليوم وما تقوم به الدول الموجودة أم إنّ البون شاسع جدا؟ أسئلة لعلها تبادرت إلى أذهان الكثيرين سنحاول بإذن الله الإجابة عليها.
لقد فُرض رمضان في العام الثاني للهجرة فكانت البيئة الإسلامية التي أوجدها الرسول r في المدينة منذ هاجر كفيلة بجعل المسلمين الأوائل يذوقون طعما فريدا لشهر الصوم فهم قد اعتادوا على العيش في ظل أحكام الإسلام وباتوا يضحون بالغالي والنفيس في سبيل دعوته، فعندما فرض صيام الشهر الفضيل اتخذوه بمثابة فرصة يغتنمونها لمضاعفة الأجر والثواب ولمزيد البذل والعطاء على جميع المستويات.
فكانوا يشمرون عن سواعدهم ويشدون على مآزرهم اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام فيقومون ليلهم ويصلونه بنهارهم مستغفرين حامدين مهللين ومكبّرين ويكونون فيه أجود ما يكونون؛ فينفقون في السر والعلانية يبتغون ما عند الله؛ وكانوا إلى جانب ذلك يهرلون مسرعين لتلبية نداء الجهاد مقبلين غير مدبرين لنشر الخير للعالمين؛ فرسول الله r بصفته رئيس الدولة حينها لم يغفل عن اغتنام نفحات الطاعة والقربات لتحريك الجيش والسرايا قدر المستطاع، فأي طاعة أعظم من بذل النفس رخيصة في سبيل الله، وأي أجر يضاهي ذلك لكي لا يُحرص على تلك العبادة في تلك الأيام المعدودات؛ فكان رمضان لذلك شهر الفتوحات والانتصارات وكانت سرية سيف البحر وبدر الكبرى وغيرها…
وبفضل ذلك كله أدرك الصحابة رضي الله عنهم معنى تقوى الله الحقيقية وخاضوا غمار الحياة وهم يلتزمون أوامر الله ونواهيه في كل حين ويسارعون في الخيرات ويجتنبون المنكرات، بل يجتنبون حتى كثيرا من الحلال خشية الوقوع في الحرام حتى نالوا الورع؛ أعلى درجات التقوى، وتتالى الأمر في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ثم بنسق يرتفع حينا ويهبط حينا آخر في ظل الخلافة وما اعتراها من إساءات تطبيق إلى أن ابتُلينا بتعطيل أحكام الإسلام.
إنّ ما نعيشه اليوم من تغييب للأحكام الشرعية عن حياة المسلمين يجعلنا نعيش رمضان مختلفا اختلافا جوهريا عن الأولين فيكفي وجود البيئة الجاهلية جاثمة على صدورنا لنعي حاجتنا لدولة إسلامية، خلافة راشدة على منهاج النبوة، تعيدنا سيرتنا الأولى لنذوق حلاوة شهر خير وطاعة تعلو فيه كلمة الله وتصان فيه حرماته وينادى فيه حيّ على الجهاد لنشر دين الله في كل بيت مدر ووبر.
إنّ كل واحد منّا يستشعر دور الدولة في توفير البيئة الإسلامية وصيانة المجتمع وهو يرى الحرام منتشرا في كل الأرجاء، فما بالك في رمضان ودول الضرار لا تتوانى عن الإتيان بكل ما من شأنه أن يبعد النّاس عن دينهم وعقيدتهم؛ فهي في حرب لا هوادة فيها مع أحكام الإسلام إقصاء وتعطيلا وتحريفا، بالإضافة إلى سعيها إلى ضرب الفضيلة وما تجذّر في صدور الناس من حياء وورع وخشية لله عزّ وجلّ عبر الزيادة في جرعة المسلسلات والبرامج الهابطة الداعية لكل منكر من سفور وعري وخلاعة وميوعة وزنا وغير ذلك؛ بغية إلهاء الناس وصرفهم عن الأجواء الإيمانية التي تقوي نفسياتهم وتجعلهم يرنون لما عند الله، تصرف المليارات هباء على ما لا يستحق، وفي المقابل يترك الفقراء جوعى محتاجين يُسكنون جوع معدتهم ببعض اللقيمات إن توفرت لهم، تصرف الدولة على المهرجانات الرمضانية الملايين وتترك دول الغرب تنهب ثروات المسلمين ليجد الناس أنفسهم بين مطرقة الفاقة والحاجة وسندان التعب والشقاء لتحصيل لقمة العيش بالحلال وذلك هو الصعب فالحرام هو اليسير الميسر.
وهكذا يصوم الواحد منا وهو يرى مفاهيم العلمانية والكفر وأحكامهما هي المسيطرة على الحياة، ويتألم لتعطيل النظام السياسي والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي وبقية أنظمة الحياة الإسلامية التي بتطبيقها كلها فحسب يتحقق رضوان الله ويضمن العيش الكريم والراحة والطمأنينة. نتألم فلا نجد سوى العمل لإعادة الأمور إلى نصابها بلسما ومبرئاً للذمة أمام الله ونستشعر حقا معنى حديث رسول الله r «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ» رواه الترمذي.
إنّ الجو الإيماني الإسلامي الذي يتولد عن تطبيق الخلافة لأحكام ربها وحثها للناس على الطاعات مهم بمكان لضمان إقبال المسلمين على شرع ربهم والخضوع له وليكونوا في صفوف المتقين.
فالعرف العام له تأثير سحري على النفوس وله أثر إيجابي كبير عليها، ومن يلقي نظرة خاطفة على تاريخ المسلمين يعي دور الدولة المهم في صهر المجتمع بالإسلام ومدى أهمية سهرها على سقيه بالمفاهيم والمشاعر والفضيلة، وأهمية أن تكون الأحكام الشرعية قوانين سارية المفعول لإيجاد طراز العيش الإسلامي، فمثلما قال سيدنا عثمان رضي الله عنه “فما لا ينزع بالقرآن ينزع بالسلطان”، أي أنّ سلطان الإسلام يمنع الناس من اقتراف المحارم أكثر ما يمنع بالقرآن لأنّ “بعض” الناس ضعيفو إيمان لا تؤثر بهم زواجر القرآن ونهيه، لكن عندما يرون الجميع حولهم ملتزمين ويعلمون أن هناك عقوبة من النظام فإنهم يرتدعون ويخافون؛ وأعداد المجاهرين بالمعصية على مرّ عصور الخلافة دليل على ذلك إذ كانوا شرذمة قليلين دوما.
وإنّ تيسير الحرام ومحاربة أحكام الإسلام مثلما تفعل دول الضرار اليوم هو ما يتسبب في وجود شريحة من المسلمين؛ لها من الإسلام الاسم فقط نصيباً؛ يعصون الله جهارا نهارا ولا يتوانون عن كل منكر فعلوه بل يدعون بكل وقاحة لكل رذيلة ولكل ما يغضب الله.
إنّ وجود كثيرٍ من أولئك هو مثل وجود العلّة تدور مع المعلول وجودا وعدما؛ فتعطيل الشرع وإحلال الحرام والتشجيع على طراز العيش الغربي هو الذي تسبب في تغذية عقليات ونفسيات أولئك الأشخاص ونتج عنه انفصالهم عن دينهم، فكثيرٌ منهم غافلون ولعلهم سيكونون من الأوابين والمستغفرين حين يدركون حقيقة دينهم وأحكامه ومفاهيمه.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هاجر اليعقوبي
2018_06_11_Art_Ramadan_under_the_Khilafah_and_Ramadan_Today_AR_OK.pdf