Take a fresh look at your lifestyle.

“بريطانيا والإسلام” – “العلاقة الخاصة” غير “الحقيقية” (مترجم)

 

بريطانيا والإسلام” – “العلاقة الخاصة” غير “الحقيقية

(مترجم)

 

 

 

الخبر:

 

في مقال قصير بقلم إد حسين بعنوان: “العلاقة الخاصة الحقيقية بين بريطانيا والاسلام” نُشِرَ مؤخراً في مجلة سبيكتاتور في بريطانيا لمعالجة “التحريض على الإسلام، وما يجب فعله حيال ذلك”. أكد الكاتب فخره بالحريات في بريطانيا التي أتت بـ”أبويه المسلمين إلى هذا البلد” وذكّر القراء “بحقيقة مفيدة للغاية: وهي أن بريطانيا تقيم علاقة خاصة مع الإسلام وكانت قائمة لقرون”. وعلى الرغم من افتتاحية The Spectator المتعلقة بـ”الضغط” على الإسلاميين، والذي يتناول القراء التقليديين المحافظين، إلا أن الكاتب يستهدف في مقاله المسلمين، ويدعوهم إلى التخلي عن رغبتهم في “دولة الشريعة”، والتي يصفها، ويضعها في ذات سياق (الإرهاب)، بأنها الوَلَه “المجنون” للـ”المتعصبين”.

 

التعليق:

 

تصف ما تسمى “العلاقة الخاصة” مرحلتين؛ أولاهما وهي مما يهم الجميع، على الرغم من أنها مما تم تعريفه بشكل ضيق، في حين إن الثانية مثيرة للقلق العميق عند المسلمين.

 

أولاً، كان اتصال البروتستانت البريطاني المبكر بالإسلام في القرن السادس عشر مفيدا للغاية لبريطانيا، التي كانت دولة منبوذة في أوروبا بعد طرد الملكة إليزابيث الأولى من قبل البابا بيوس الخامس المعزول في أوروبا، حيث ضمنت بريطانيا حقوق التداول والحماية العثمانية في البحر الأبيض المتوسط​​، الذي كانت شريان الحياة لبريطانيا وأدى إلى تدفق البضائع الغريبة وأحضر العديد من الكلمات العربية إلى القاموس الإنجليزي. بالنسبة للدولة العثمانية، وهي دولة شريعة بالطبع، فإن القرصنة البريطانية في البحر الأبيض المتوسط ​​ساعدت على حرمان الحركة الإسبانية من حرية الحركة في المياه المتنازع عليها. نقطة الكاتب هي أنه لا داعي للخوف من بريطانيا لأن العلاقات الودية كانت موجودة في التاريخ، وبما أن بريطانيا استفادت ثقافياً ومادياً من هذه العلاقات، فإن المعنى المنطقي المستنتج هو أن الإسلام لا ينبغي أن يُخشى منه أيضاً.

 

إن تأكيد مقال Spectator على أن “صداقة بريطانيا مع الإسلام فريدة”، ليس دقيقا، فقد كان السلاطين العثمانيون هم المتحكمين في أوروبا في مناسبات عديدة. أرسل الملوك والأمراء طلباتهم وعروضهم لمساعدة السلاطين مرارا وتكرارا، والتحالفات العثمانية مع مختلف الدول؛ الإيطاليين، والهولنديين والفرنسيين، كلها حصلت قبل طرد الملكة إليزابيث الأولى من قبل البابا بيوس الخامس وكانت أكثر هذه العلاقات عمقا مع فرنسا. ولعل استجابة سليمان القانوني لفرنسيس الأول من فرنسا في شباط/فبراير من عام 1526م مما يستحق أن يُسرد بإسهاب: (أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين، أنا متوج الملوك ظلّ الله في الأرضين، أنا سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملّي وقرمان الروم، وولاية ذي القدرية، وديار بكر وكردستان وأذربيجان والعجم والشام ومصر ومكة والمدينة والقدس وجميع ديار العرب والعجم وبلاد المجر والقيصر وبلاد أخرى كثيرة افتتحتها يد جلالتي بسيف الظفر ولله الحمد والله أكبر.

 

أنا السلطان سليمان ابن السلطان سليم ابن السلطان بايزيد.

 

إلى فرنسيس ملك ولاية فرنسا.

 

وصل إلى أعتاب ملجأ السلاطين المكتوب الذي أرسلتموه مع تابعكم (فرانقبان)، وأعلمنا أن عدوكم استولى على بلادكم، وأنكم الآن محبوسون، وتستدعون من هذا الجانب مدد العناية بخصوص خلاصكم، وكل ما قلتموه عرض على أعتاب سرير سدتنا الملوكانية، وأحاط به علمي الشريف على وجه التفصيل، فصار بتمامه معلوما. فلا عجب من حبس الملوك وضيقهم، فكن منشرح الصدر، ولا تكن مشغول الخاطر.

 

فإننا فاتحو البلاد الصعبة والقلاع المحصنّة وهازمو أعدائنا، وإن خيولنا ليلا ونهارا مسروجة، وسيوفنا مسلولة، فالحقّ سبحانه وتعالى ييسر الخير بإرادته ومشيئته. وأما باقي الأحوال والأخبار تفهمونها من تابعكم المذكور، فليكن معلومكم هذا.)

 

كانت دولة الشريعة جزءًا لا يتجزأ من أوروبا وقدرتها السياسية على إدارة الدولة. وقد أظهر التاريخ أن دولة الشريعة العثمانية كانت قوة مهيمنة وقوة للتنوير الثقافي في العديد من تعاملاتها مع الدول الأخرى، وأنه لا يوجد شيء “خاص” حول علاقة بريطانيا بها. دخلت المعرفة والعلوم والأعراف الإسلامية فرنسا، كما دخلت الثقافة والأدب البريطاني. ويؤكد المقال بأن “هذه الجزيرة ما زال لديها الكثير لتقدمه إلى العالم الإسلامي” ما يجعل من ذلك مجرد عرض جانبي لمدى ما قدمه العالم الإسلامي لبريطانيا ودول أوروبية أخرى.

 

الجزء المرعب من المقال يأتي عندما تم وصف علاقة بريطانيا بالإسلام في الحقبة الاستعمارية: “نصف مليون مسلم حاربوا إبان الحرب العالمية الأولى لله والملك والإمبراطورية من أجل بريطانيا وخسروا أرواحهم”. لم تكن الإضافة التي حملتها إلى الإمبراطورية البريطانية إلى الهند، التي جاء منها معظم المسلمين الذين ماتوا في الجيش البريطاني، أمرا مفرحا جدًا للمسلمين! كان الحكم الاستعماري البريطاني دمويًا بما فيه الكفاية، ولكن لم يكن تجنيد 400000 هندي، ثلثهم من المسلمين، للقتال في الحرب العالمية الأولى “عرضًا إيجابيًا للعالم الإسلامي”. كان العدد الإجمالي للمسلمين الذين لقوا حتفهم في جيوش “الحلفاء” في الحرب العالمية الأولى 89000 جندي. إن الرعب وعدم جدوى تلك الحرب شوه الوعي الأدبي والثقافي لأجيال من الأوروبيين، الأمر الذي جعل من هذه الحادثة أمرا أشد حزناً على المسلمين عندما يستحضرون أن أبناءهم سحبوا من مستعمرات أوروبية في الهند وأفريقيا. لم يكن هناك شيء مميز فيما يتعلق بالجيش البريطاني. 200.000 جزائري و100.000 تونسي و40.000 مغربي و100.000 من سكان غرب إفريقيا و4000 صومالي وليبي انخرطوا في الجيش الفرنسي.

 

في هذه الجيوش الاستعمارية، تذوق “العالم الإسلامي” المعاناة والموت على نطاق غير مسبوق. إنه درس قاتم بالنسبة للمسلمين الذين يفتقرون إلى دولة شريعة. حتى بعد تضحياتهم العظيمة، فإن عائلات أولئك الذين ماتوا سوف تشهد لاحقاً المزيد من الأهوال. إن المذبحة الفرنسية الوحشية لمليون جزائري كافحوا من أجل الاستقلال، والتقسيم البريطاني للهند، الذي خلف قتلى أكثر من الجزائريين، دفعت بغالبية المسلمين والكثير من مسلمي كشمير إلى الاضطهاد على أيدي القوميين الهندوس.

 

ازدهر المسلمون في ظل دولة الشريعة وقدموا ثقافتهم بسخاء، ولكن عندما ضعفت الدولة وهُزمت لاحقاً، أخضعت القوى الاستعمارية، مع وجود بريطانيا على رأسها، الأجيال لإهدار في الطاقات وللفقر في عشرات الدول الفاشلة التي صنعتها لتأمين مصالحها. أصبح المسلمون منذ أجيال يهربون من بلادهم الأمر الذي وصفه الدبلوماسيون الأوروبيون في القرون الأولى، أمثال أنطونيو رينكون، بشروط براقة:

 

“أمر مذهل، لا عنف. التجار، وحتى النساء، يأتون جميعا ويذهبون في أمان تام، كما هو الحال في إحدى المدن الأوروبية. الحياة آمنة، هائلة وسهلة كما هو الحال في البندقية. العدالة تدار بشكل منصف لدرجة أن المرء يميل إلى الاعتقاد بأن الأتراك أصبحوا مسيحيين الآن، وبأن المسيحيين تحولوا إلى أتراك”.

 

لو استمرت فتوحات سليمان القانوني أكثر فأكثر، لكانت أوروبا قد نجت من المعاناة التي تعرض لها المسلمون. لم يكن هناك أبدا علاقة خاصة مع بريطانيا. أقامت دولة الشريعة علاقات مع العديد من الدول من أجل المنفعة المتبادلة. وعلى أي حال، يجب أن تكون رغبة المسلمين في دولة شريعة مسألة فيها من الفخر ما فيها، ولا يحتاج وجودهم في أوروبا إلى أي اعتذار.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. عبد الله روبين

2018_06_18_TLK_2_OK.pdf