إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 111)
الإرادة المنفردة تجعل الشركات المساهمة باطلة شرعا
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الحادية عشرة بعد المائة، وعنوانها: “الإرادة المنفردة تجعل الشركات المساهمة باطلة شرعا”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الخامسة والستين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “والأسهم تنتقل من يد لأخرى، كانتقال الأوراق المالية بين الناس، دون أدنى إجراءات كتابية في دفاتر الشركة، إذا كانت الأسهم لحاملها، وبإجراءات كتابية في الشركة إذا كانت تحمل اسم المساهم. وتعتبر الشركة رابحة إذا زادت قيمة موجودات الشركة على قيمة مطلوباتها عند الجرد السنوي، فما زاد فهو الربح. وتوزع الأرباح سنويا في تمام السنة المالية للشركة، فإذا ارتفعت قيمة موجودات الشركة، بسبب ظروف فجائية، دون أن تكون هناك أرباح، فلا مانع من إجراء توزيع هذه الزيادة.
أما إذا حدث العكس فانخفضت قيمة موجودات الشركة، ولكن الشركة ربحت، إلا أن أرباحها، إذا ضمت إلى قيمة الموجودات، فلم يزد على قيمة مطلوباتها، فلا محل لتوزيع الأرباح. وحين توزيع الربح تخصص حصة من الأرباح للاحتياطي، ويصرف الباقي بعد ذلك على المساهمين. وتعتبر الشركة شخصا معنويا، لها أن تقاضي ويتقاضى باسمها أمام المحاكم، كما أن لها محل إقامة خاصا وجنسية خاصة. ولا يسد مسدها أي مساهم فيها، ولا أي عضو إدارة بوصفه شريكا، أو بوصفه الشخصي، وإنما يملك ذلك من يفوض له أن ينطق باسم الشركة، فيكون المتصرف هو الشركة، أي الشخصية المعنوية لا الشخص المباشر للتصرف.
هذه هي شركة المساهمة، وهي من الشركات الباطلة شرعا، ومن المعاملات التي لا يجوز للمسلم أن يقوم بها. أما وجه بطلانها وحرمة الاشتراك فيها فيتبين مما يلي:
أولا: إن تعريف الشركة في الإسلام هو: أنها عقد بين اثنين، أو أكثر، يتفقان فيه على القيام بعمل مالي بقصد الربح. فهي عقد بين اثنين أو أكثر، فلا تصح فيها الموافقة من جانب واحد، بل لا بد من أن تحصل الموافقة من جانبين، أو أكثر. والعقد فيها يجب أن يكون منصبا على القيام بعمل مالي، بقصد الربح. فلا يصح أن يكون منصبا على دفع المال فقط، ولا يكفي أن يكون الهدف مجرد الاشتراك فحسب. فالقيام بالعمل المالي هو أساس عقد الشركة، والقيام بالعمل المالي إما من المتعاقدين، وإما من أحدهما ومال الآخر. ولا يتأتى أن يكون عقد بينهما على قيام غيرهما بعمل مالي؛ لأنه لا يكون عقدا، ولا يلزم به أحد.
فالعقد إنما يلتزم به العاقد، ويجري على تصرفاته هو، لا على غيره. فيتحتم أن يكون القيام بالعمل المالي محصورا بين العاقدين. إما منهما، أو من أحدهما ومال الآخر. وكون القيام بالعمل المالي من أحد العاقدين أمرا حتميا – حتى يتم قيام الشركة ووجودها – يحتم أنه لا بد من أن يكون في الشركة بدن يجري العقد عليه، فيشترط في الشركة في الإسلام وجود البدن فيها، فهو عنصر أساسي في انعقاد الشركة. فإذا وجد البدن، انعقدت الشركة، وإذا لم يوجد البدن في الشركة لم تنعقد شركة، ولم توجد من أساسها.
وقد عرف الرأسماليون شركة المساهمة، بأنها عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهما في مشروع مالي، بتقديم حصة من مال، لاقتسام ما قد ينشأ من هذا المشروع من ربح أو خسارة. ومن هذا التعريف، ومن واقع تأسيس الشركة، بوسيلتيها السابقتين، يتبين أنها ليست عقدا بين شخصين أو أكثر حسب أحكام الشرع الإسلامي؛ لأن العقد شرعا هو إيجاب وقبول بين طرفين، شخصين أو أكثر. أي إنه لا بد من أن يكون هنالك طرفان في العقد:
أحدهما يتولى الإيجاب بأن يبدأ بعرض العقد كأن يقول: زوجتك، أو بعتك، أو أجرتك، أو شاركتك، أو وهبتك، أو ما شاكل ذلك.
والآخر يتولى القبول كأن يقول: قبلت، أو رضيت، أو ما شاكل ذلك. فإن خلا العقد من وجود طرفين، أو من الإيجاب والقبول، لم ينعقد، ولا يسمى عقدا شرعا.
وأما في شركة المساهمة فإن المؤسسين يتفقون على شروط الاشتراك، ولا يباشرون الاشتراك بالفعل حين يتفقون على شروط الشركة، بل يتفاوضون ويتفقون على الشروط فقط. ثم يضعون صكا هو نظام الشركة، ثم بعد ذلك يجري التوقيع على هذا الصك من كل من يريد الاشتراك. فيعتبر توقيعه فقط قبولا به. وحينئذ يعتبر مؤسسا ويعتبر شريكا. أي يتم اشتراكه حين يتم التوقيع، أو حين ينتهي أجل الاكتتاب. وهذا واضح فيه أنه لم يوجد فيه طرفان أجريا العقد معا، ولا يوجد فيه إيجاب وقبول، وإنما هو طرف واحد يوافق على الشروط فيصبح بموافقته شريكا.
فشركة المساهمة ليست اتفاقا بين اثنين، وإنما هي موافقة من شخص واحد على شروط. ولذلك قال عنها علماء الاقتصاد الرأسمالي، وعلماء القانون الغربي، بأن الالتزام فيها ضرب من ضروب التصرف بالإرادة المنفردة. والإرادة المنفردة هي كل شخص يلتزم أمرا من جانبه للجمهور، أو لشخص آخر، بغض النظر عن موافقة الجمهور، أو الشخص الآخر، أو عدم موافقته، كالوعد بجائزة. وشركة المساهمة عندهم، وفي حقيقتها، يلتزم المساهم، أو المؤسس، أو أي موقع على الصك بالشروط التي يتضمنها، بغض النظر عما إذا وافق غيره أو لا، وقد اعتبروها من أنواع التصرف بالإرادة المنفردة. وعلى هذا يكون عقد شركة المساهمة بالإرادة المنفردة عقدا باطلا شرعا؛ لأن العقد شرعا هو ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الآخر، على وجه يظهر أثره في المعقود عليه. وعقد شركة المساهمة لم يحصل فيه ذلك. فهو لم يجر فيه اتفاق بين شخصين أو أكثر، وإنما التزم بموجبه شخص واحد بالمساهمة في مشروع مالي. ومهما تعدد الملتزمون والشركاء فيعتبر الملتزم شخصا واحدا”.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
1. الأسهم نوعان:
1) أسهم تحمل اسم المساهم ولا يجوز انتقالها من يد لأخرى إلا بعد إجراءات كتابية في الشركة.
2) أسهم يستطيع حاملها أن يتصرف به كما يشاء.
2. تعتبر الشركة رابحة إذا زادت قيمة موجودات الشركة على قيمة مطلوباتها عند الجرد السنوي.
3. توزع الأرباح سنويا في تمام السنة المالية للشركة وفق القواعد الآتية:
1) إذا ارتفعت قيمة الموجودات ولم تكن هناك أرباح، فلا مانع من إجراء توزيع هذه الزيادة.
2) إذا انخفضت قيمة الموجودات وربحت الشركة وضمت أرباحها إلى قيمة الموجودات فلم يزد على قيمة مطلوباتها، فلا محل لتوزيع الأرباح.
3) حين توزيع الربح تخصص حصة من الأرباح للاحتياطي، ويصرف الباقي بعد ذلك على المساهمين.
4. تعتبر الشركة شخصا معنويا، لها أن تقاضي ويتقاضى باسمها أمام المحاكم، كما أن لها محل إقامة خاصا وجنسية خاصة.
5. لا يسد مسد الشركة أي مساهم فيها، ولا أي عضو إدارة بوصفه شريكا، أو بوصفه الشخصي.
6. يتصرف بالشركة من يفوض له أن ينطق باسمها؛ لأنه الشخصية المعنوية للشركة.
7. شركة المساهمة من الشركات الباطلة شرعا، ومن المعاملات التي لا يجوز للمسلم أن يقوم بها.
8. يتبين وجه بطلان الشركة المساهمة وحرمة الاشتراك فيها مما يأتي:
1) عقد الشركة في الإسلام منصب على القيام بعمل مالي، بقصد الربح. وعقد شركة المساهمة منصب على دفع المال فقط بقصد الربح دون القيام بعمل مالي.
2) وجود البدن عنصر أساسي في الشركة في الإسلام، إذا وجد انعقدت الشركة، وإذا لم يوجد لم تنعقد، ولم توجد من أساسها. وشركة المساهمة يشترك فيها مال مع مال دون وجود بدن.
3) العقد شرعا هو إيجاب وقبول بين طرفين شخصين أو أكثر. فلا بد من أن يكون هنالك طرفان في العقد.
4) شركة المساهمة لا تتحقق فيها شروط الشركة:
أ- لا يوجد فيها طرفان أجريا العقد معا.
ب- ولا يوجد فيها إيجاب وقبول.
ت- يوجد طرف واحد يوافق على الشروط فيصبح بموافقته شريكا.
5) قال علماء الاقتصاد الرأسمالي، وعلماء القانون الغربي، بأن الالتزام في شركة المساهمة ضرب من ضروب التصرف بالإرادة المنفردة.
6) وعلى هذا يكون عقد شركة المساهمة بالإرادة المنفردة عقدا باطلا شرعا.
وجه المقارنة | الشركة في الإسلام | الشركة المساهمة الرأسمالية |
وجود العقد. |
هي عقد بين اثنين أو أكثر يتفقان فيه على القيام بعمل مالي بقصد الربح. | هي موافقة من شخص على شروط الشركة. |
وجود طرفين. |
لا بد من أن يكون هنالك طرفان. | يوجد فيها تصرف بالإرادة المنفردة من طرف واحد. |
حصول الإيجاب والقبول. |
العقد شرعا هو إيجاب وقبول. | لا يوجد فيها إيجاب وقبول. |
وجود البدن. |
يشترط فيها وجود البدن. | هي مجرد أموال تجمعت وصار لها قوة التصرف ولا يوجد فيها بدن. |
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.