سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” – الحلقة الثانية والسبعون: نظرة الإسلام للفصل بين السلطات – ج1
سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثانية والسبعون: نظرة الإسلام للفصل بين السلطات – ج1
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا
أما نظرة الإسلام لموضوع الفصل بين السلطات[1]، فيمكن تلخصيه بالآتي:
كما سبق وبينا فإن الشارع أنزل الأحكام ليقوم الناس بالقسط، فهذا مقصد عظيم من مقاصد الشريعة، وبالتالي فقد أحاطه الشارع بما يضمن تحقيقه،
وحيث أنه لا يمكن أن يسير أعمال الدولة ويرعى مصالح الناس ويدير شؤونهم إلا سلطة واحدة فالدولة سلطة واحدة وليست عدة سلطات. ففي الإسلام تجد القضاء ليس سلطة لأن القاضي لا يتصرف بمصالح الناس، وإنما يخبر بالحكم على سبيل الإلزام، فهو مخبر بالحكم ولو كان إلزاماً وليس متصرفاً في مصالح الناس، فالراعي لشئون الناس هو السلطة، أي الحكومة الإسلامية فقط، والتشريع لله تعالى، فمجلس الشورى ليس بمجلس تشريع وسن للقوانين، ولكن لأخذ الرأي فلا تعدد في السلطات! والسلطة معناها ومفهومها: التصرف في مصالح الناس!
ولو فرضنا جدلا أن القضاء سلطة، والتنفيذ سلطة، فإننا نقول أن ضمانة تحقيق مقاصد الشريعة لا تتم فقط من خلال آلية فصل السلطات، بل تتم من خلال إحاطة تلك السلطات بسياج من الأحكام التي تضمن حسن تطبيقها، فالقاضي مثلا لا تشكل آلية فصل أعماله عن السلطة التنفيذية مثلا الضمان لأداء عمله على الوجه الصحيح، بل إن الضامن لقيامه بأعماله على الوجه الصحيح هو قيامه بأعماله وفق منظومة التشريع، والتي أحاطت أعماله بسياج من الأحكام التي تبين له كيف يقضي بالحق، ووضع الإسلام قواعد بالغة الدقة في استنباط الأحكام وتنزيلها على الوقائع، مما يشكل للقاضي طريقة منضبطة للاجتهاد، وتحذره من مغبة القضاء بالظلم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ» حديث مرفوع، وهكذا، فالأحكام سياج، وهناك أيضا اعتبارات مهمة سنفصل فيها بعد قليل ان شاء الله تضمن للقاضي حسن أداء عمله، وعدم التدخل فيه، وما من شأنه أن يحقق مقاصد الشريعة.
والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى الأقطار الإسلامية بمهمة الحكم أو القضاء، فقد بعث معاذاً إلى اليمن كما في الحديث المشهور «كيف تحكم إذا عرض لك قضاء؟ قلت: أحكم بكتاب الله .. الخ».، والذي أراه في تصوير العلاقة بين (السلطة التشريعية) و (السلطة التنفيذية) و (القضائية) أن (السلطة التشريعية) في قواعدها العامة التي لا تخضع للاجتهاد، هي مفصولةٌ فصلاً تاماً عن السلطة التنفيذية والقضائية.. فلا تَمْلِك هذه السلطة أن تُغَيِّر في تلك القواعد العامة، ولا تُبَدِّل فيها، لأن التشريع إنما هو لله عز وجل وحده.
أما الأمور الاجتهادية.. فباعتبار الخليفة – وهو رئيس السلطة التنفيذية – هو الراعي المسؤول عن رعيته، وهو ولي الأمر الذي أوجب الله طاعته، فإنه وحده هو صاحب الصلاحية في تبني الأحكام حين يحصل الاختلاف في الاجتهاد[2]. وأمر الإمام يرفع الخلاف. نعم هو يستشير أهل العلم ويتداول الأمور الفقهية الخلافية معهم، ولكن في النهاية هو الذي يحدد.
[1] http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/radio-broadcast/radioarchive/15672.html
[2] بعض الأحكام المختلف فيها تلزم لسير القضاء في الدولة وفق تبن معين فيها يتبناه صاحب الصلاحية وهو الخليفة، فأمر الخليفة يرفع الخلاف، مثلا أن يحكم في الطلقات الثلاث بأنها ثلاث أو واحدة، وهكذا، فإذا تبنى في هذه القضية رأيا أصبح ملزما للقضاء به في الخصومات.
2018_05_00_Khilafah_and_Imamate_in_Islamic_Thought_72_AR_OK.pdf