الفقر لا تنفيه كثرة الودائع المالية في البنوك بل تثبته
قال والي ولاية جنوب دارفور، آدم الفكي محمد الطيب، إن نيالا ليس بها فقر، مدللاً بأن نيالا بلغت جملة الودائع المالية فيها عبر بنك السودان أكثر من ترليون و365 ملياراً، وأضاف “يبقى الفقر وين ورينا مدينة في السودان فيها 22 بنكاً غير الخرطوم”. (اليوم التالي).
رغم هذا التصريح من الوالي الفكي إلا أن فعاليات الدورة المدرسية الـ28 التي تقام هذه الأيام في ولاية جنوب دارفور كان الحدث الأبرز فيها، هو تسلم والي جنوب دارفور مبلغاً مالياً من (أولاد الدرداقات) وهم أطفال لا يلتحقون بالمدارس لظروفهم الصعبة بل يدخلون سوق العمل بحثا عن لقمة العيش لهم ولأسرهم التي أضناها النزوح واللجوء… بالإضافة إلى تسلم الوالي مبلغاً ماليا من بائعات الشاي وصانعات الفخار والأصايص بمدينة نيالا. ثم إن الاتحاد العام لطلاب الولاية فرض رسوماً بقيمة جنيهين على كل طالب بالولاية، فذهب الطلاب إلى منزل الوالي في نيالا لتسليمه المبلغ وعلق الوالي، خلال مخاطبته الحشد الطلابي، قائلاً إن الغرض من المساهمة هو الشعور بالمسؤولية المجتمعية تجاه القضايا الوطنية في الولاية وليس جمع المال، واصفاً المشاركة بالرمزية والمهمة.
والمتتبع لهذه الرسوم والجبايات يجد إجحافا كبيراً في حق ابن البلد الذي لا يجد قوت يومه إلا بشق الأنفس، وبدلاً من أن تساعده الدولة تأخذ ما بيده باسم الدورة المدرسية القومية، ضاربة عرض الحائط بمعاناة ابن البلد الذي لا سند له ولا معين وهو يعاني فقرا مدقعاً…
تضارب تصريحات الوالي مع واقع هذه الجبايات ترينا عقلية “البلطجة” والتضليل والجباية التي تحكم بها هذه البلاد، وكل هَمّ المسئولين هو إفراغ ما في جيوب الفقراء أصلا، ومع ذلك يحدثونك عن عدم وجود الفقر… إن الفقر أيها الوالي يعرفه المطحونون به، أولئك الذين أثقلت كاهلهم الرسوم والضرائب وارتفاع فواتير الكهرباء والغاز ومصروفات المدارس وأسعار السلع التي تتضاعف كل يوم! حياتنا يا سادة أصبحت جحيما لا يطاق وأنتم تنكرون ذلك وتتنكرون…
إننا لن نخدع في مسرحية النفاق التي تخرجها لنا وسائل إعلام الحكومة لتوهمنا بأن الحاكم أو الوالي تحول بقدرة قادر إلى حمل وديع وينبوع حنان يتكلم مع الفقراء والبسطاء بأعذب الكلمات ليتسلم مبالغ مالية لإنجاح الدورة المدرسية ممن أوجعهم العوز وفي المقابل يعلن أن الولاية لا تعاني فقرا لكثرة الودائع والبنوك.
مهما كثرت البنوك والودائع فإن النقود لا تلد نقوداً، بل لا بد من تدويرها في حلبة النشاط الاقتصادي، ثم تنقلب إلى سلع وخدمات، وتتفاعل مع عوامل أخرى لتحقيق النمو والتطور، أما زيادة الودائع فلا تمنع الفقر بل تساهم في زيادته لأن البنك لا يخسر أبدا بل من يخسر هم المدينون فيزيدون نسب الفقر.
نعم الفقر واقع معاش تزيد دائرته وتتسع كل يوم بشكل كبير بسبب تدهور الاقتصاد وارتفاع الأسعار مع انخفاض القدرة الشرائية للجنيه السوداني. إن ظاهرة الفقر ظلت تطل برأسها في القرى والحضر لكنها تنتشر في المناطق الريفية في السودان أكثر من الحضر، مع أن تكلفة المعيشة أدنى في تلك المناطق، لأن الإنتاج هناك ينحصر في الزراعة والرعي، وتباع منتجاتهم بأثمان بخسة، لذلك فهم أقل قدرة على تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
لن يقضي على الفقر كثرة البنوك الربوية، المبنية قروضها على ضمانات لا يقدر عليها إلا الأغنياء. ورب المال في نظام الفائدة (الربا) أقل اهتماماً بنجاح المشروع، ولا تهمّه الأمانة والخبرة والمقدرة في العمل، لأن أكثر ما يهمّه هو أن يكون المقترض غنيّاً، وأن تكون فائدته ثابتة، ورأس ماله مضموناً، ثم إنه في الأول والآخر نشاط ربوي محرم.
يُقضى على الفقر بتطبيق أحكام الإسلام المتعلقة بأنواع الملكيات من الملكية العامة التي تشرف الدولة عليها مثل المعادن ومواد الطاقة وذلك باستخراجها وتصنيعها وتوزيع عوائدها على الرعية على شكل خدمات أو سلع، واهتمام الدولة بالزراعة واستغلال كل الأراضي ومنع ترك الأرض بدون استغلال أكثر من ثلاث سنوات… هذه الأحكام الشرعية المغيبة عن الاقتصاد هي المفتاح الحقيقي لحل مشكلة الفقر.
الاقتصاد الإسلامى هو اقتصاد حقيقي بينما اقتصاد الرأسمالية اقتصاد وهمي طفيلي، فقد عاشت البشرية على مدى 13 قرنا (عصر الخلافة) لم تعرف خلالها الأزمات الاقتصادية، لا مديونية، ولا فقر، ولا تضخم… ولا حل جذرياً إلا بإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة التي تطبق الإسلام في كافة أنظمة الحياة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة/ غادة عبد الجبار – أم أواب
2018_11_22_Art_Poverty_is_not_eliminated_by_the_large_number_of_bank_deposits_AR_OK.pdf