حرب التِّقان المستعرة
الخبر:
حذرت الصين كندا من “عواقب وخيمة” إذا لم تطلق على الفور سراح منغ وانزو المديرة المالية لشركة هواوي، واصفة احتجازها بأنه “واقعة مشينة”، كما استدعت بكين السفير الكندي على خلفية احتجاز وانزو بمدينة فانكوفر الكندية.
وكانت الشرطة الكندية قد ألقت القبض على وانزو (46 عاما) المديرة المالية لهواوي وابنة مؤسسها مطلع كانون الأول/ديسمبر الجاري بناء على طلب واشنطن.
وقالت مصادر مطلعة إن احتجازها جاء في إطار تحقيق أمريكي بشأن مزاعم بالتخطيط لاستخدام النظام المصرفي العالمي للالتفاف على العقوبات الأمريكية على إيران.
التعليق:
كانت رويترز قد نقلت سابقا عن مصادر أن اليابان تخطط لحظر شراء الحكومة معدات من “هواوي تكنولوجيز” و”زد تي إي” الصينيتين في مواجهة تسرب المعلومات والهجمات الإلكترونية، وسط قلق صيني رسمي.
وكان مسؤولون أمنيون أمريكيون زاروا أوروبا مؤخرا قد حذروا نظراءهم البريطانيين والألمان من مخاطر استخدام تكنولوجيا الشركة الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس لهذه الدول.
وقد حث الأمريكيون بريطانيا على تأمين شبكاتها، في حين يضغطون لمنع هواوي من الحصول على عروض إنشاء شبكات في أوروبا، وبريطانيا التي تسعى لاستقبال طلبات بناء شبكات الجيل الخامس من شركات عدة.
وقد حدث اعتقال وانزو بعد يومين على الاتفاق بين الرئيسين الصيني والأمريكي لتطبيق هدنة لمدة ٩٠ يوما تتوقف فيها العقوبات المتبادلة بشأن التجارة بين بلديهما والتفاوض وصولا إلى تسويات مرضية للطرفين.
ومع أن خبر الاعتقال ظهر وكأنه ذو طابع قانوني إلا أن الأمر يتعدى ذلك. فالعالم يتجه بسرعة نحو تقنيات الذكاء الاصطناعي وينافس الصينيون فيه بجدارة فائقة ما يهدد سيطرة أمريكا على سوق “المعلومات والبيانات الكبيرة” والتي هي عمدة الذكاء الاصطناعي.
وحجة التجسس واستغلال البيانات وانتهاك الخصوصية للأفراد التي تستخدمها أمريكا هي شغل شركاتها الشاغل (مثل فيس بوك وغوغل وميكروسوفت…) ولئن كانت الشركات الصينية تفعل ذلك فهي ليست الأولى.
يقول د. حسن أبو طالب في “الأهرام الدولية”: “إن أي مراجعة تقنية بسيطة لما تحمله الهواتف الذكية الحديثة والمصنعة في خلال الأعوام الثلاثة الماضية وأيا كانت الشركة الصانعة أمريكية أو كورية أو صينية، سيجد أن تطبيقاتها الآن بما فيها التطبيقات الأساسية كالاتصال أو إرسال الرسائل أو الكاميرا لا تعمل إلا بعد الحصول على إذن من المستخدم بالولوج إلى كل بياناته المحملة على هذا الهاتف، ولا توجد سوى عبارات عامة وغامضة بشأن الحفاظ على سرية هذه البيانات، ولا يوجد أي توضيح عن الطريقة التي تستفيد بها الشركة من هذه البيانات ذات الطابع الشخصي. وحين يرفض المستخدم إعطاء الإذن يتوقف التطبيق عن العمل، وغالبا ما يوافق المستخدم على سرقة بياناته فقط لأنه يريد العمل بالتطبيق وتشغيل الهاتف الذي دفع فيه عدة آلاف من الجنيهات. فالجميع يتجسس والجميع ينتهك الخصوصية والجميع يجمع البيانات والمعلومات وأصحابها لا يدركون ما وراء ذلك”.
ومثل هذه البيانات هي الأساس الذي يبنى عليها ما يعرف بالذكاء الاصطناعي، الذي يوصف بأنه: “سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. من أهم هذه الخاصيات القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة”.
ويضاف إلى ذلك التطور الحادث فيما يسمى “إنترنت الأشياء” والتحكم بها والذي يحتاج بدوره لاتصال مع شبكة الإنترنت (وبالتالي إمكانية التجسس وجمع المعلومات المتواصلة) فالمسألة ليست التحكم بالمصباح الكهربائي في غرفة المعيشة وتتخطى السيارة ذاتية القيادة والطب لتصل إلى الاستعمالات العسكرية التدميرية.
فتلك الأجهزة والمعدات باتت لها استخدامات عسكرية من شأنها أن تؤثر على مفهوم القوة العسكرية وإدارة الحروب، وفي مجالات مدنية وسلمية لا حصر لها. ولهذا نجد واشنطن تحاول بوسائل شتى ابتزاز الصين وشركاتها كي تبقى الأخيرة تحت مظلتها بل تحت سيطرتها.
وعلى كل حال فإن جبهات هذه الحرب متعددة وخباياها كثيرة والمسألة تتعدى مجرد تجارة إلى ما هو أبعد بكثير وآثارها ستصيب كل الناس في ظل تغول الرأسمالية وجشع دولها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. حسام الدين مصطفى