الشعب الفرنسي يخوض معركة العودة
(مترجم)
الخبر:
خلال الأسابيع الأربعة الماضية، احتشد آلاف المتظاهرين في فرنسا ضد الحكومة في قضية أصبحت تعرف باسم حركة “السترات الصفراء”، في إشارة إلى سترات السلامة التي يحتفظ بها السائقون الفرنسيون في سياراتهم. الاحتجاجات شائعة الحدوث في فرنسا، فالبلاد لديها تاريخ طويل من الاحتجاجات والثورة. لكن احتجاجات السترات الصفراء أدت إلى بعض أسوأ أعمال الشغب في باريس وأجبرت السلطات على إغلاق أجزاء من المدينة. وبعد أربعة أسابيع من الاحتجاجات، اضطر إيمانويل ماكرون في خطاب متلفز وجهه للأمة إلى إلغاء عدد من السياسات والتعهد بزيادة في الحد الأدنى للأجور. كانت هذه المرة الأولى التي يتراجع فيها الرئيس الفرنسي عن قرار سياسي. وتأتي الاحتجاجات في الوقت الذي انخفضت فيه شعبية ماكرون إلى مستوى متدنٍ، ولكنها أيضا تمثل أول ظهور للناس الذين يخرجون إلى الشوارع بعد عقد من التقشف، حيث عوقبت الجماهير بسبب تجاوزات النخبة.
التعليق:
منذ أن أصبح رئيساً في أيار/مايو 2017، قام ماكرون بخفض الضرائب على الشركات، وخفض الإنفاق العام وخفف العبء الضريبي على الأغنياء. وهذا أضر بصورة ماكرون الأمر الذي جعله يظهر بمظهر رئيس الأثرياء. كانت الزيادة المخططة على ضريبة الوقود التي ستبدأ في عام 2019 هي القشة الأخيرة بالنسبة للكثيرين. فقد بدأت المظاهرات في فرنسا في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 وانتشرت بسرعة. فارتفاع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة وادعاءات بأن إصلاحات الضرائب الحكومية كانت تشكل عبئا غير متناسب يلقي بثقله على الطبقات العاملة والمتوسطة. ومنذ الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، عملت الحكومات في الغرب على إنقاذ الصناعة المصرفية، فيما خفضت الإنفاق على البرامج الإنسانية تحت ستار التقشف.
تتركز الثروة في فرنسا بدرجة عالية في صفوف الأغنياء، حيث يملك 1٪ من السكان 23٪ من الثروة الفرنسية، و10٪ فقط من أغنى أغنياء فرنسا يمتلكون 54٪ من ثروة البلاد. ويشارك نصف سكان فرنسا البالغ عددهم 67 مليون نسمة في 6.3 في المائة فقط من ثروة البلاد. وعلى الرغم من نظام الضمان الاجتماعي في فرنسا، يتم فرض ضرائب على الدخل بنسبة 48٪ ما لا يبقي إلا القليل من الدخل الذي يجنيه العمال. إن فرنسا مثل الكثير من العالم الرأسمالي فيها تفاوت عميق في الثروة، وقد حافظ الرؤساء المتعاقبون على حماية ثروات الأغنياء على حساب الغالبية العظمى من الناس في البلاد. ارتفعت مستويات المعيشة والأجور في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية خلال 30 عاماً من النمو. واستمرت المكاسب في الأجور تتنامى لذوي الدخل المنخفض والمتوسط خلال أوائل الثمانينات. لكن تلك الديناميكيات التي تم تفكيكها مع قيام الحكومات الفرنسية المتعاقبة والتي قامت بالحد من المكاسب في الأجور، ولكنها في الوقت ذاته خفضت الضرائب على دافعي الضرائب الأكثر ثراء في فرنسا. وقد تخلصت شركة ماكرون من ضريبة الثروة التي طبقت على كثير من أصول أغنى الأسر الفرنسية، واستبدلت بها واحدة لا تنطبق إلا على ممتلكاتها العقارية.
هذه الحقائق هي التي قدمت الكثير من الدعم لحركة السترات الصفراء. وابتداءً من تشرين الأول/أكتوبر 2018، اجتذبت الحركة مئات الآلاف من المؤيدين عبر الإنترنت في المدن الريفية الصغيرة والبلدات التي تكافح في شمال فرنسا، وتشمل نشطاء من حركة السترات الصفراء والعاطلين عن العمل والمتقاعدين ذوي الدخل المنخفض والوالدين الوحيدين الذين يكافحون من أجل الرفاهية أو الحد الأدنى للأجور. كما أنها تشمل أيضا عمال الياقات الزرقاء والبيضاء وأصحاب المشاريع الصغيرة الذين يعتبرون أفضل حالا ولكنهم يشعرون بالإنهاك أو يتعرضون للغش عبر الضرائب والأسعار المرتفعة. ومثل العديد من الناخبين في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن السترات الصفراء تعتقد بأنهم تعرضوا للخيانة بسبب عقود من الإهمال والاستغلال من السياسيين المهووسين الساعين لإرضاء الأغنياء. ووصف صحفي فرنسي الوضع على النحو التالي: “لقد تحمل الشعب الفرنسي التخفيضات الثابتة والمتراكمة لمستويات المعيشة على مدى السنوات العشرين الماضية. الفرنسيون أناس عمليون وشدوا أحزمتهم بقدر ما استطاعوا حتى جاءت النهاية، ووجدوا أنه لم يعد بإمكانهم البقاء على قيد الحياة”.
كانت فرنسا تُقدَّم دوماً كبلد عظيم لقضاء العطلات والاستمتاع بالثقافة والطعام والمناظر الطبيعية، ولكن يبدو أنها مكان مختلف إذا ما تعين عليك العيش والعمل فيها. فبعد عقد من التقشف وعقود من السياسات التي أعطت الأفضلية لنخبة صغيرة غنية، طفح الكيل عند الفرنسيين ونزلوا إلى الشوارع. في جميع أنحاء العالم الغربي، لجأ الكثيرون إلى الأحزاب اليمينية وغير التقليدية حيث لم تعد الأحزاب السائدة تمثلهم. في الانتخابات التي جرت منذ أكثر من 15 شهراً، حصلت مارين لوبان من أقصى اليمين على أصوات مهمة لسياساتها، ورأى العديد أنها ستكون بديلا عن السياسيين الأساسيين. وعلى الرغم من خسارتها، ودعمها العظيم كما يظهر لكثير من الفرنسيين، فإن هذا النظام لم يعد صالحا للخدمة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عدنان خان