أمّة الإسلام! نور من الله أم ظلمات من الطّاغوت؟
يقول سبحانه وتعالى في الآية 257 من سورة البقرة ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
حسب ما جاء في تفسير هذه الآية: إنّ الله نصير الذين آمنوا وظهيرهم يتولّاهم بعونه وتوفيقه ويخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان يبصّرهم بحقيقة الإيمان وسبله وشرائعه وحججه يهديهم ويوفّقهم ويزيل عنهم كلّ الشّكوك ويكشف عنهم دواعي الكفر… وأنّ “الذين كفروا” والذين جحدوا وحدانيّته نصراؤهم الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله يتولّونهم ويخرجونهم من نور الإيمان إلى ظلمات الكفر وشكوكه ويَحُولون دونهم ودون رؤية الحقّ فلا يرون الإيمان ولا حقائق أدلّته وسبله.
وعليه فإنّ من يؤمن بالله ربّا وبمحمّد eنبيّا وبالقرآن كتابا ودستورا ينظّم حياته فإنّ الله مولاه قد كفاه الزّلل عن الصّراط وأنار دربه وهداه إلى العيش في ظلّ أحكامه. فالذين آمنوا منّ الله عليهم بنعمة لا تضاهيها نعمة وهي الإيمان والنّور، أمّا الذين كفروا واتّخذوا من دون الله أربابا فقد ضلّوا السّبيل وتاهوا وسط الظّلمات لا نبراس يضيء لهم الطّريق وهُم عُمْي لا يبصرون ﴿إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.
مؤلم ما تعيشه أمّة الإسلام! تشهد أنّ الله خالقها ولكنّها تعيش في ظلّ أحكام ليست أحكامه… تحيا وتُفرض عليها قوانين من وضع البشر لا من تشريع خالقها… تحيا وقد أمسك بأمور حياتها بشر عاجزون رموا بها في ضنك العيش… مؤلم أن يُبعَد شرعُ ربّها عن حياتها وهي تؤمن به خالقا فكيف تسلّم أمر التّدبير لغيره؟ كيف لم تقف أمّة الإسلام على آيات القرآن وتتمعّن قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ فكيف تسير معصوبة العينين مسلوبة الإرادة وراء عدوّها وعدوّ دينها؟ كيف لا تتّبع قول ربّها ﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾؟ مخدوعة هي! ضيّعها حكّامُها وقادوها سبلا فتفرّقت بها عن سبيل ربّها وصراطه المستقيم!
ديمقراطيّة… علمانيّة… اشتراكيّة… رأسماليّة… سبل كثيرة سلكتها فلم تجن سوى الضّياع والفقر والآلام! عناوين جذّابة مغرية سلبتها فكرها وجعلتها تسير وراء الضّبّ وتدخل جحره ولم تستفق إلّا وقد انقضّ على جسدها يمزّقه أشلاء… استسلمت وسلّمت تسيير شؤونها لعدوّها الذي حطّم كيان دولتها وأبعد دينها عن حياتها وفرض حضارته الغربيّة الكافرة عليها مستعينا في ذلك بمن وضعهم حكّاما ينفّذون أوامره ويسهرون على تكريس إملاءاته وتعليماته.
كيف لخير أمّة أخرجها الله للنّاس أن تحيا دون شرع ربّها؟ كيف تؤمن بربّها خالقا وتشهد بوحدانيّته ثمّ تترك الحكم للبشر ترضى بهم أربابا من دون الله يشرّعون ويحكمون بل ويتجرّؤون على شرع الله ويعتبرونه ناقصا ظالما غير مناسب لتسيير الحياة؟!
كيف ترضى خير أمّة أن تكون في ذيل الأمم منتهكة أعراضها مسلوبة أراضيها وثرواتها مفكّكة أوصالها يحكمها كفّار وتسيّر حياتها تشريعات بشريّة فاسدة؟!
كيف ترضى أن تخرج من نور أحكام ربّها ترشدها وتهديها لما يرضي خالقها إلى ظلمات هؤلاء البشر الذين يقودونها ليلقوا بها في جحيم تشريعاتهم المضلّة فتعيش تائهة تعيسة؟!
تحيا أمّة الإسلام في ضنك في ظلّ هذا النّظام القائم وقد اشرأبّت الأعناق آملة أن تتغيّر الأوضاع وتتحسّن الأحوال… وجاءت الثّورات وأتت ببصيص من الأمل لكنّه سرعان ما تلاشى كما يتلاشى السّراب أمام ظمآن طامع في قطرة ماء في الصّحراء… ثارت الشّعوب ونادت بإسقاط النّظام ولكنّ العدوّ مترصّد متربّص بها لا يترك لها الخيار الصّحيح ويسرع بتضليلها من جديد حتّى لا تهتدي إلى السّبيل الصّحيح فتنهض نهضتها الصّحيحة وتعود إلى سالف عهدها: خير أمّة!
جهّز لها “البديل” وواصل تنفيذ مخطّطاته وأوهمها بأنّ الأوضاع تتحسّن بعد أن أزاح الوجوه القديمة الكالحة وأتى بوجوه أخرى جديدة فأملت الشّعوب خيرا ولكن خاب فألها فلم تجلب لها هذه الوجوه إلّا الفقر والبطالة ولم تتبدّل الأوضاع بل ازدادت تدهورا وسوءا.
تغيّرت الوجوه لكنّ النّظام باق: نظام رأسماليّ متوحّش يتفنّن في تحقيق مصالحه ويسعى لضمان بقائه بإحكام الخناق على الشّعوب الإسلاميّة وغيرها لتبقى رهينة له: ويبقى أغلبيّة النّاس عبيدا يعملون تحت إمرة قلّة لا تشبع! فئة قليلة تعيش بذخا وتبذيرا في حين يصنّف 1.3 مليار شخص في 104 دولة على أنّهم تحت خطّ الفقر، من بينهم 662 مليون طفل دون سنّ الـ18 عاما. (حسب ما جاء في تقرير “مؤشر الفقر العالميّ متعدّد الأبعاد”، الصّادر عن برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ بالتّعاون مع “مبادرة أوكسفورد للفقر والتّنمية البشريّة”).
أمّة الإسلام! يا خير أمّة، يا من كرّمك الله بحبيبه المصطفى عليه أفضل صلاة وأزكى سلام… يا من ائتمنك على العالم لتقوديه إلى الخير! كيف ترضين أن تتخلّي عن أعظم رسالة وبدل أن تقودي إلى الخير تُقادين إلى الشّرّ؟ بدل أن تقدّمي للعالم الرّحمة والأمان تتوهين معه وسط غيابات الظّلم والقهر وتتركين الأعداء والعملاء والجهلاء يعبثون بك وبمن اؤتمنت عليهم؟! كيف تقبلين بهذا وكيف تخرجين من النّور إلى الظّلمات؟!!
الخير فيك يا خير أمّة أخرجها الله للنّاس؛ فأبناؤك سيعيدون مجدك وعزّك والسّبيل بيّن وجليّ والنّور لامع ساطع فما عليك إلّا اتّباع من يقودك إليه! وطريق النّجاة الوحيد هو طريق ربّك… هو طريق تحكيم شرعه والاهتداء بأحكامه… فسارعي وفوّضي أمرك إليه وسلّمي أمر قيادتك لمن ينادي باستئناف الحياة في ظلّ دولة تحكم بشرع الله!… بدولة تنفّذ أحكام الله: بدولة الخلافة الرّاشدة الثّانية على منهاج النّبوّة ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ فهلمّوا عباد الله المخلصين ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾…
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التّحرير
زينة الصّامت
2018_12_26_Art_Light_from_Allah_or_the_darkness_of_the_tyrant_AR_OK.pdf