مع الحديث الشريف
إحياء الموات بالتحجير
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخرج أبو داود والنسائي والترمذي عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعِرقٍ ظالمٍ حق”، وقد حسنه النسائي
والعرق هو مفرد عروق الشجر، والمراد الشجرة نفسها، وهو على حذف المضاف، أي لذي عرق ظالم، فجعل العرق نفسه ظالماً، والحق لصاحبه
أخرج أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وصححه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أحيا أرضا ميتة فهي له”.
وما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني والبيهقي وصححه ابن الجارود من حديث سمرة بلفظ: “من أحاط حائطا على أرض فهي له”.
وأخرج البخاري وغيره من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها”.
وأخرج أبو داود والضياء في المختارة من حديث أسمر بن مضرس قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فقال: “من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له”، قال فخرج الناس يَتَعَادُّون يَتَخَاطُّون.
جاء في كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله في باب إحياء الموات قوله:
[أمّا تحجير الأرض فهو كالإحياء سواء بسواء ..
وليس المراد من التحجير وضع أحجار عليها، بل المراد وضع ما يدل على أنه وضع يده عليها – أي ملكها-، فيكون التحجير بوضع أحجار على حدودها، ويكون التحجير بغير الحجر بأن غرز حولها أغصاناً يابسة، أو نقى الأرض وأحرق ما فيها من شوك، أو خضد ما فيها من الحشيش أو الشوك وجعلها حولها ليمنع الناس من الدخول، أو حفر أنهاراً ولم يسقها أو ما شاكل ذلك، يكون كله تحجيراً.
والظاهر من الأحاديث أن التحجير كالإحياء إنّما يكون في الأرض الميتة ولا يكون في غيرها.
أمّا الأرض غير الميتة فلا تملك بالتحجير ولا بالإحياء، بل تملك بإقطاع الإمام، لأن الإحياء والتحجير قد وردا بالأرض الميتة، فقال: “من أحيا أرضاً ميتة”، وميتة صفة يكون لها مفهوم معمول به فتكون قيداً، ومعنى ذلك أن غير الميتة من الأراضي لا تملك بالتحجير أو الإحياء.
وهذا التفريق بين الأرض الميتة وغير الميتة يدل على أن الرسول أباح للناس أن يملكوا الأرض الميتة بالإحياء والتحجير، فأصبحت من المباحات، ولذلك لا تحتاج إلى إذن الإمام بالإحياء أو التحجير لأن المباحات لا تحتاج إلى إذن الإمام. أمّا الأراضي غير الميتة فلا تملك إلاّ إذا أقطعها الإمام، لأنها ليست من المباحات، وإنما هي مما يضع الإمام يده عليه، وهو ما يسمى بأراضي الدولة، ويدل على ذلك أن بلالاً المزني استقطع رسول الله أرضاً فلم يملكها حتى أقطعه إياها، فلو كانت تُملك بالإحياء أو التحجير لأحاطها بعلامة تدل على تملكه إياها، ولكان مَلَكها دون أن يطلب إقطاعه إياها]. انتهى
ما أحوج العالم اليوم إلى تطبيق هذه الأحكام الشرعية التي تعطي كل ذي حق حقه، وتمكن من إعمار الأرض وإسعاد البشرية، فلا يدعي أحد أن الموارد في الأرض لا تكفي كما يزعم الرأسمالي، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾
إن عدل الإسلام وشريعة الله التي لا تظلم أحدا لا يتحقق إلا بوجود خليفة راع للمسلمين على منهاج النبوة.
أحبتنا الكرام وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .