أحلام ديب هالاند في أرض الأحلام
الخبر:
شهد العالم ضجة إعلامية حول ما سموه بلحظة تاريخية وانتصار لنون النسوة حيث شهد الكونغرس الأمريكي وصول أكبر عدد من النساء للكونغرس وأدت مئة وامرأتان اليمين الدستورية، 35 منهن انتخبن للمرة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر في موجة نجاح تاريخية للمرشحات. وقد سلط الإعلام الأمريكي والعالمي الضوء بشكل خاص على نسوة من الأقليات أدين اليمين الدستورية في مجلس النواب من بينهن أول امرأة مسلمة، أول امرأة من الأمريكيين الأصليين (الهنود الحمرK( أول امرأة من أصل إسباني، وأصغر امرأة منتخبة في الكونغرس.
تباهى الإعلام الأمريكي بما حققته النسوة من الأقليات في أرض الأحلام وتداولت روايات العضوة من ولاية مينيسوتا عن أداء اليمين بمصحف جدها وقصة الكفاح ونزوح الأسرة من مخيم للاجئين في كينيا وصولا إلى أمريكا.
في خضم هذه “الانتصارات التاريخية استعادت نانسي بيلوسي لقبها السابق كرئيسة لمجلس النواب، وقد صنعت التاريخ في عام 2007 كأول امرأة تشغل هذا المنصب، قبل تسليم المطرقة عندما فاز الحزب الجمهوري بمجلس النواب عام 2011.
التعليق:
من ضمن من وصلن للكونغرس الأمريكي امرأة من السكان الأصليين (الهنود الحمر) تدعى ديب هالاند وهي أول امرأة من السكان الأصليين يتم انتخابها عضوا في مجلس النواب الأمريكي وقد انتخبت عن الحزب الديمقراطي في ولاية نيو مكسيكو. ولكن وصول هالاند إلى هذه اللحظة لم يكن سهلا.
مر السكان الأصليون بالعديد من اللحظات السوداء والمجازر في تاريخهم، حتى يصلوا إلى انتخاب هالاند وغيرها. وتعرضوا لحملات ممنهجة من الإبادة عبر حروب غير متكافئة استخدمت فيها الآليات الحديثة من الأوروبيين، وتم نشر الأمراض المعدية في مناطق سكن الهنود الحمر وتم تهجير قبائل بأكملها. ناهيك عن وحشية الاستعمار الإسباني وقهره الممنهج للهنود الحمر مما أدى ببعضهم إلى الانتحار كوسيلة للخلاص من إذلال المستعمر الإسباني. ولم تقتصر محنة الهنود الحمر على التطهير العرقي وتقليص وجودهم في أمريكا. لم يقتصر العداء للهنود الحمر على حقبة تاريخية وحروب مضت فقد سعى المستعمر لإلغائهم من الأرض الجديدة. وذلك عبر ممارسة الاستعمار الثقافي بتهميش هوية الهنود الحمر وإجبارهم على التنصل من لغاتهم الأصلية وثقافتهم وفرض سياسات الدمج والاستيعاب.
يعيش ما تبقى من السكان الأصليين كأقلية تتعرض للتمييز والتهميش وتحمل إرثاً ثقيلا من التشويه الإعلامي الممنهج عبر عقود صورتهم كأشرار وغزاة معادين للحضارة والمدنية يحملون أفكاراً عقيمة وثقافة بالية لا ترقى لقيم العصر. يعيشون للآن في محميات صنعها المستعمر وحصرهم فيها تحيط بهم آفات البطالة والجهل وتعطى المواد المضرة لترسخ الصورة النمطية عنهم كشعوب لا تستحق تلك الأرض وثرواتها وتحتاج لوصاية. تلك الصورة صنعت لتغسل عار الماضي وتنفي جرم الاستعمار وأدواته.
نعم لم يكن وصول السيدة هالاند سهلا ولم يقبل بها الرأي العام إلا وهي تحمل قيم المستعمر وإن سمح لها بإظهار ولاء شكلي لتراث وزي وبعض معتقدات السكان الأصليين. وصلت وهي حريصة على أن تبدو كالأخريات وتظهر فروض الولاء والطاعة لضوابط الاندماج. وبالرغم من هذه الجهود تدرك أن سقف طموحها محدود جداً في بلد لم تحقق فيه نساء المستعمر الوافد أي انتصار حقيقي. هل تنفعها الأحلام وهل ينفعها التلون والانصهار… وهل يصلح العطار ما أفسد الاستعمار ويمحو تاريخ الإبادة والتهجير والتعتيم؟!
وصلت هالاند للكرسي وقد سبقها 10 آلاف شخص في كرسي عضوية الكونغرس منذ انعقاد أول كونغرس في 1789.
إن كفاح هالاند وأمثالها للوصول لكرسي الكونغرس لا يتعدى أحلام يقظة ولحظات عابرة لا تمثل شيئاً حقيقيا أكثر من تجميل الاستعمار. إنه سراب يفرح به البعض ليتناسى معاناة الشعوب مع الاستعمار وقبحه.
وصفت هالاند لحظة فوزها بالحلم فهنيئا لهالاند بهذا الكرسي “الثمين” وهنيئا لمن احتفل بوصول مسلمتين للكونغرس ولتسر الأمة في دربها لتحقيق واقع يرضي العباد ورب العباد…
﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)