Take a fresh look at your lifestyle.

الحديث السياسي – دول أمريكا اللاتينية تشق عصا الطاعة لأمريكا وتشب عن الطوق

 

ظلت معظم دول أمريكا اللاتينية لعقود طويلة ولغاية نهايات القرن الماضي الميلادي تخضع لطُغَمٍ عسكرية دكتاتورية فاسدة تتلقى توجيهاتها من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وحتى الدول التي كانت تجري فيها انتخابات ديمقراطية كان العسكر فيها ينقلبون على الحكومات المدنية إذا تبنت سياسات معادية للأمريكيين وذلك كما حصل مع سلفادور ألنيدي في تشيلي الذي أُطيح به على يد الطاغية بينوشيه في سبعينات القرن الماضي.

ولطالما كانت تُعتبر هذه الدول كمزارع للولايات المتحدة لا فرق بين دول كبيرة منها كالبرازيل أو دول صغيرة كالبيرو.

ولكن التغير الجوهري الذي طرأ على طبيعة الحكم في هذه الدول قد بدأ يظهر مع إجبار الحكام العسكر على التنحي عن السلطة في تسعينات القرن الماضي بشكل كامل، وموافقة الولايات المتحدة على رفع يدها عن دعمهم.

ومن المفارقات العجيبة أن كان لتبني أمريكا نشر فكرة الديمقراطيات في العالم وبالذات في دول أمريكا اللاتينية الأثر الأكبر في تحول أنظمة تلك الدول عن موالاتهم للأمريكان، بل وفي سيرها ضد الرأسمالية الليبرالية الأمريكية التي لم تجلب لها سوى المعاناة والشقاء والحرمان.

وما يجري الآن في بوليفيا هو مثال قد يتكرر في دول لاتينية أخرى حيث إن الانتخابات فيها أفرزت حاكماً يمثل الأكثرية المعدمة في البلاد.

فالرئيس البوليفي إيفو موراليس هو أول رئيس ينحدر من أصول هندية (الهنود الحمر) حاول خدمة بني جلدته، وتحسين مستوى عيشهم، وإنقاذهم من براثن الفقر والاستغلال، ومواجهة الأقلية الأوروبية التي تسيطر على الأراضي الخصبة في البلاد، والمدعومة من قبل الولايات المتحدة، حاول خدمتهم من خلال استحداث إصلاحات دستورية تُعرض على المواطنين لنيل الموافقة عليها ليتمكن من إعادة تقسيم المزارع ومنح أراضٍ للفقراء البوليفيين.

وقد قوبلت محاولته هذه بمعارضة شديدة من المُلاّك البيض المنتفعين والمدعومين من قبل الولايات المتحدة، ووقع صدام بين الطرفين أسفر عن مقتل العشرات، وعبثت الأيادي الأمريكية في شؤون البلاد وأذكت هذا الصدام، وتحول إلى مطالبةٍ بانفصال خمس ولايات من البلاد التي تتشكل أصلاً من تسع ولايات فقط.

وعندما وجد الرئيس موراليس أن السفير الأمريكي يشرف بنفسه على دعم الانفصاليين المعارضين له قرّر اتخاذ قرارات حاسمة، فأمر بطرد السفير الأمريكي من البلاد ودخل في صراع مكشوف مع عملاء أمريكا الذين يملكون الثروة ولديهم الحَظوة عند الأمريكان كونهم كانوا حكاماً للبلاد قبل وصول موراليس إلى السلطة.

وعبَّر موراليس عن استيائه من التدخل الأمريكي السافر في شؤون بلاده، وفي دعم خصومه السياسيين ووصف أعمال المعارضة بأنها “محاولة انقلابية فاشية وعنصرية تشهدها البلاد” وقال: “يستطيعون إسقاط الهندي (الأحمر) لكن الشعب البوليفي شعب ثوري ولن يسقط ويجب الدفاع عن التغيير بأي ثمن” ودعا إلى “الدفاع عن التغيير أو الموت من أجل الوطن” لمواجهة الأزمة التي أثارتها الأقاليم الخاضعة لسلطة المعارضة المتواطئة مع أمريكا.

وأظهر موراليس تصميماً أكيداً على الاستمرار في مقارعة الرأسماليين والعملاء فقال: “إن القرار يستجيب لنضال الشعوب من السكان الأصليين، ليس في بوليفيا وحدها بل في كل أمريكا اللاتينية التي قاتلت خمس مئة عام ضد كل الإمبراطوريات” ويقصد الدول الاستعمارية كإسبانيا وأمريكا. وتعهد موراليس بإقرار دستور جديد ينحاز لسكان بوليفيا الأصليين والفقراء ولا يحرمهم من حقوقهم.

وقد وجدت سياسات موراليس الجريئة ضد الولايات المتحدة وعملائها دعماً من دول أمريكا اللاتينية الأخرى فقطعت كلٌّ من فنزويلا وهندوراس علاقاتهما الدبلوماسية مع واشنطن، وتداعت مجموعة دول اليونوسور التي تضم جميع دول أمريكا اللاتينية إلى الاجتماع لدعم خطوات موراليس في تشيلي.

إن هذا الموقف الجريء لموراليس من أمريكا وعملائها جدير بالاحترام وجدير بأن يأخذ الآخرون منه الدروس والعبر.

فهذه الدولة الصغيرة الفقيرة التي خضعت للهيمنة الأمريكية قرابة المئة عام استطاعت أن تتحدى أمريكا، وأن تحاصر عملاءها الذين شكَّلوا طابوراً خامساً في بوليفيا، وعملوا على زعزعة وحدة الدولة وإثارة النعرات الانفصالية فيها.

لقد استطاع موراليس الذي اعتمد على الحاضنة الشعبية الطبيعية وعلى السند الداخلي الذاتي أن يعمل على إيجاد التغيير الحقيقي في بلاده والذي يؤدي بالضرورة إلى طرد النفوذ الأمريكي ليس من بوليفيا وحسب، بل ومن جميع دول أمريكا اللاتينية.

لقد كان الأوْلى بحكام المسلمين أن يحتذوا بموراليس وأن يعملوا على تصفية النفوذ الأمريكي الغربي من بلدانهم، لا سيما وأنهم يملكون إمكانيات ضخمة لا تملكها بوليفيا ودول أمريكا اللاتينية وأول هذه الإمكانيات قوة المبدأ الإسلامي الذي تحتضنه الشعوب الإسلامية، والذي تستطيع الدولة إن اعتمدته أن تقاتل العالم أجمع لو وقف في طريقها، وتستطيع أن تُغير به خريطة العالم، وترسي علاقات جديدة مبنية على قواعد العدل والإنصاف والرفاهية.

نعم تستطيع الدول أن تفعل ذلك لو ملكت الإرادة، فأمريكا دولة عاجزة عن مواجهة إرادة التغيير الحقيقية، وعجزها هذا قد تجلى تماماً مع دولة صغيرة كبوليفيا لكنها تملك إرادة حقيقية للتغيير.

كتبها : أبو حمزة الخطواني