الوسط السياسي أم الدولة العميقة؟
في الغالب تكون المصطلحات والشعارات والمفاهيم متوافقة مع أفكار المرء ونابعة من ثقافته وهو يحرص على تعميمها وأخذ الناس لها واستعمالها، وقد يجعل مدى قبولها لدى الناس مقياساً لانتشار وقبول أفكاره وحكمه على الأحداث. ومن الواجب أن يحرص كل صاحب فكر على استعمال مصطلحاته ونشرها بين الناس ويبتعد عن استعمال مصطلحات غيره.
تردد كثيرا مصطلح الدولة العميقة وكنت أحدث من يذكر ذلك أمامي أن الأصح هو القول الوسط السياسي، فقول الدولة العميقة يحيلك إلى مجهول وأن هذا مصطلح من غير ثقافتنا التي نريد تبني الناس لها، أما الوسط السياسي فتكاد تمسك بتلابيبه وهو أمامك في العيان، وهذا من ثقافتنا.
الدولة أي دولة لا بد لها من وجود وسط سياسي، لأنه يتكون من الحاكم ومن في حكمه ممن يعاونه في أمور الحكم وممن يحاسبه ويطمح أن يحل مكانه ممن يهتم بشؤون الحكم ورسم سياسة الدولة ويرعى مصالح الناس.
كل دولة حسب عقيدتها السياسية وطريقة عيش شعبها تنظم دولتها ونظام حكمها لأن ذلك له علاقة بوجهة نظرها في الحياة، المتبلورة من عقيدتها، فتجد الرأسمالية تدعي تقسيم السلطات إلى السلطة التنفيذية (الحاكم ومؤسسات الحكم التابعة له)، والسلطه التشريعية، والسلطة القضائية، وسلطة الرأي العام (الصحافة)، وتأتي مؤسسات المجتمع المدني (النقابات وجماعات المصالح ومجموعات الضغط).
في الإسلام تقوم الدولة على ثلاثة عشر جهازا؛ الخليفة، المعاونون (وزراء التفويض)، وزراء التنفيذ، أمير الجهاد، الولاة، الأمن الداخلي، الخارجية، الصناعة، القضاء، الجهاز الإداري (مصالح الناس)، بيت المال، الإعلام، مجلس الأمة. وإن كانت هذه الأجهزة أو تلك المؤسسات، القائمين على تسيير أعمالها ثلاثة مستويات، الفني، والإداري، والسياسي، فإن الإداري والفني يخدم السياسي ويأتمر بأمره ولا يحرك ساكنا إلا بإرادته… وهذا هو بيت القصيد.
يقول الأستاذ أحمد الخطواني في جريدة الراية عدد 215 يوم الأربعاء 26 من ربيع الأول 1440 هجري الموافق 2 كانون الثاني/يناير 2019 ميلادي بعد شرح طويل ليصل إلى تعريف أو توضيح معنى الدولة العميقة التالي: “ولكن أخطر ما في هذا النوع من النظام المؤسسي (الرأسمالي) هو وجود إمكانيات كبيرة لتشكيل تحالفات سرية بين القائمين على إدارة المؤسسات (الساسة) للقيام بتعطيل سير عمل الحكومة (التي لا تناسبهم)، أو حتى الانقلاب عليها، وهذه التحالفات (الأعمال) هي التي يطلق عليها عادة الدولة العميقة، فتجمُّع بعض عناصر من مؤسسات الدولة من أصحاب المصالح المشتركة (السياسيين وليس الإداريين أو الفنيين) في تحالفات خفية أو معلنة، هو الذي يوجد الازدواجية في الحكم، أو ما بات يعرف بدولة داخل دولة”. انتهى الاقتباس.
الآن ما هو الوسط السياسي بتصرف من كتاب أفكار سياسية، موضوع الوسط السياسي.
الوسط السياسي هم الحكام والقادة ومن لهم الثقل والوزن في حياة الناس وعيشهم، أي من يتعاطى السياسة إن كان حاكما أو من يهتم بشؤون الحكم مباشرة أو محاسبة الحاكم أو يتطلع لأخذ الحكم أو نشر رأيه السياسي.
وهؤلاء لديهم من الذكاء والمعرفة والخبرة ما يجعلهم في مقدمة الناس ويلبسون لكل حالة لبوسها وهم أقدر الناس على الهدم وأكثر الناس خبرة في تقويض الدول (التي يرون أنها لا تناسبهم ولا تخدم مآربهم) وهدم السياسيين المخلصين.
وإن شاء الله حين تقوم الدولة الإسلامية، وكان في هؤلاء السياسيين رمق (السياسيين الحاليين في بلاد المسلمين) فإنهم قد يبدون للأمة من الإخلاص والفهم ما يجعلهم سادة وقادة الأوساط السياسية، ورجالها الأبرار الأفذاذ، لذلك لا بد من اتقاء خطرهم، والقضاء على تأثيرهم. والدولة الإسلامية لا بد من أن تزيل الأوساط السياسية كلها (الموجودة الآن) بأي وسيلة.
الأجدر أن يقال الوسط السياسي، ولا يقال الدولة العميقة والله أعلم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة
2019_01_08_Art_The_political_context_or_the_deep_state_AR_OK.pdf