الخلافة الراشدة خيار جميع المسلمين
لقد جرب العالم في المائة عام الأخيرة من عمر الحكم الرأسمالي الجبري الذي فرضه عليه الغرب الكافر المستعمر، وبعد أن هدمت دولة الخلافة العثمانية، جرب العالم كل قاذورات القوانين والدساتير والأحكام الوضعية التي سماها أصحابها بأسماء كثيرة براقة؛ ليبرالية، دولة القانون، دولة مدنية، ديمقراطية، حريات، تحضّر، انفتاح، ثورة علمية، عولمة، النظام العالمي الجديد، العلمانية، حقوق إنسان، عدالة اجتماعية، استثمارات أجنبية، حوارات وطنية، دساتير انتقالية، إحلال السلام، أصحاب قرار، …إلخ. كلها مصطلحات تُكرَّر في الإعلام يوميا وتبقى مجرد شعارات لا وجود لها على أرض الواقع، فنحن اليوم نشهد فشل وازدواجية هذا النظام العالمي الجديد الذي طفت مشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والطبية والتعليمية على السطح في بلاد الغرب وفي بلاد المسلمين. فالعالم كله في مشاكل ونلمس ما وصلت إليه البشرية من نزاعات وأزمات واضطرابات وخراب، فأينما نظرت حول العالم وجدت انحطاطاً في التفكير وانعدام القيم وانقلاباً في الموازين، بغض النظر عن التقدم الاقتصادي في بعض البلاد، فالظلم والكفر وأهله هم سيد الموقف، والسائد هي الجريمة وهضم الحقوق وانتهاك الحرمات؛ لا رحمة ولا إيثار ولا رعاية شؤون، وأصبح الأصل هو الإهمال والعنف والإرهاب والعنصرية والاستغلال والاستعباد وقتل النفس وضنك العيش، والحياة سمتها الأنانية والمنفعة والجانب التجاري والكسب، والمادية غلبت على جميع القيم الأخرى بغض النظر عن الحلال والحرام وعن المعروف والمنكر وعن الحسن والقبيح. وبالإضافة إلى كل ذلك تجد في جميع بلاد المسلمين غيابا متعمدا للحكومات فهي من يفتعل الأزمات للناس وهي من ينهب الثروات ويسلم بلاد المسلمين للأعداء، هذه التبعية والعمالة انبطاح للكافر المستعمر وتطبيق لسياساته؛ أمريكا أو بريطانيا وأوروبا ويهود، يضغطون على الأنظمة من خلال اتفاقيات ومعاهدات دولية مشؤومة لم تكن لتنجح لولا عمالة هذه الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين.
هذا أورث الذل والقهر والقساوة والبغض لدى الناس حتى هبوا وثاروا ثورات عفوية في عدد من بلاد المسلمين وقُوبلوا بالقمع والاعتقالات والتعذيب والاغتصاب والقتل بشتى الأسلحة وتكالب عليهم الكفار وأذنابهم العملاء. رفع المسلمون شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، وسُرقت ثوراتهم، ولكن لم ترجع الأوضاع كما كانت من قبل الثورات، فحواجز الخوف والصمت قد كُسرت ودبت الحياة في جسد الأمة الإسلامية التي وعت وقامت تبحث عن عِزها الضائع. فالمسلمون اليوم يريدون إسقاط الأعداء والطواغيت وفطنوا لكثير من أجندات وسياسات الغرب الكافر المستعمر في بلادهم، لكن بقوا بدون قيادة فكرية تقود ثوراتهم وعملهم للتغيير والرجوع إلى مركز الريادة من جديد.
إن هذه المرحلة التي تمر بها البشرية هي مرحلة التغيير الجذري، وهي مرحلة صعبة ومخاض عسير وانتقال من مرحلة الحكم الجبري إلى إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والاستخلاف، وعلى المسلمين أن يكونوا على قدر هذا الحدث العظيم بأعمالهم السياسية، فهذا التغيير المنشود هو من عمل الأنبياء، ولا يستقيم إلا أن يكون على طريقة خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام. فالتغيير الذي يبحث عنه المسلمون هو التغيير الانقلابي الذي قام به سيدنا محمد e حين غيَّر مجتمع الكفر إلى مجتمع إسلامي بإقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة ودك عروش الطواغيت. وكانت هذه الدولة بداية النهضة الحقيقية للبشرية التي استمرت في الارتقاء باستمرار وجود دولة الخلافة التي حكمت العالم بالإسلام لمئات السنين بعد ذلك، فالإسلام قد تحدى ملوك الأرض وجعل السيادة المطلقة لشرع الله العادل، فالمُلك لله والحكم لله والعزة لله جميعا. فالإسلام يهدد مصالح أصحاب النفوذ والسلطة والمال الذين نصّبوا أنفسهم جبابرة على الناس واستعبدوهم ما داموا يحكمون بغير ما أنزل الله. فالأحكام الشرعية في الإسلام هي الدستور وهي القانون، وهي قوانين عادلة منزلة من رب العالمين ومستنبطة من القرآن الكريم والسنة الشريفة وليست من وضع البشر، وبالتالي ليست عُرضة للنقص والتناقض والظلم، وهي معنية برعاية شؤون الإنسان بوصفه إنساناً لا تتغير احتياجاته وإن اختلف المكان أو الزمان، والقوانين الربانية أحكام عملية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي التقيد بالحلال والحرام، وبالتالي تحمل ضماناً ربانياً لتحقيق العدل بين البشر وتنظيم علاقاتهم المختلفة وحفظ حقوقهم، بالإضافة إلى التكفل بتلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان ضمن الضوابط الشرعية عقلياً ونفسياً فتضمن له سعادة الدنيا والآخرة. واليوم حزب التحرير قد أعد مسودة لهذا الدستور للأمة الإسلامية للاطلاع عليه والتفاكر حوله ولإعطاء البيعة لخليفة المسلمين الواحد على تطبيقه.
إذاً، من يبحث عن الخلاص وعن الخروج من هذا الانحدار هو في الحقيقة يبحث عن تطبيق الإسلام في نظام الحكم في دولة الخلافة الواحدة التي ستوحد جميع المسلمين، فلا خير في الأمة ولا في ثوراتها إن لم ترجع للإسلام دولة ومنهاج حياة متكاملاً. إن الحل للبشرية ماثلاً أمام عينيها، فهو في المحجة البيضاء التي تركها رسول الله r، ومن يملك تصوراً للدولة الإسلامية ولشكل مواد الدستور فيها هو الذي يستحق ثقة المسلمين حول العالم ليقود الأمة الإسلامية ويوجه مسار هذه الثورات العارمة على الحكام، أدوات الغرب الكافر المستعمر في بلاد المسلمين، حتى يصل بها إلى بر الأمان. وإننا في حزب التحرير ندعوكم للالتفاف حول مشروع نهضة الأمة الإسلامية جمعاء وهو إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة من جديد ورفض أي مشروع آخر بعيد عن شرع رب العالمين يخدم مصالح الأعداء ويُفشِل الثورات وتضيع به دماء الشهداء، وندعوكم للبعد عن المصطلحات الإعلامية التي ترسخ أفكار الكفر؛ فشعار “الشعب يريد إسقاط النظام” تتبعه جملة “لإقامة الخلافة” وشعار “الثورة خيار الشعب” تتبعه جملة “الخلافة خيار المسلمين”.
قال تعالى: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. [آل عمران: 160].
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان