Take a fresh look at your lifestyle.

الثقة بالله

 

الثقة بالله

 

الثقة بالله تبارك وتعالى لا تكون إلا بالإيمان بالله وبرسوله وبكتابه وسنة نبيه  r، وبالتسليم المطلق لأمره ونهيه بتطبيق شريعة الله وهدي رسول الله  r والالتزام بهما حصرا وصدقا.

 

قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ [النور: 46-49]، فآيات الله مبينة تبين الخير والشر والطيب والخبيث، وتبين منهج الإسلام في الحياة كاملا دقيقا لا لبس فيه ولا غموض، وتحدد أحكام الله في الأرض بلا شبهة ولا إبهام، فإذا تحاكم الناس إليها فإنما يتحاكمون إلى شريعة واضحة مضبوطة لا يخشى منها صاحب حق على حقه ولا يلتبس فيها حق بباطل ولا حلال بحرام.

 

وأما المنافقون الذين يقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا بأفواههم، ومدلول الإيمان لم يتحقق في سلوكهم، والإيمان من قبل لم يستقر في قلوبهم، وأعمالهم تكذب أقوالهم، ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾، فالمؤمنون أعمالهم طبق أقوالهم، والإيمان ليس كلمة تقال باللسان فحسب، إنما هو طمأنينة في النفس وانطباع في القلب وعمل في الواقع.

 

والمنافقون من صفتهم الإعراض عن التحاكم لشرع الله تحت أي ذريعة يستسيغونها ظنا منهم أنهم أهل دهاء ومعرفة وعلم، وتراهم في هذه الأيام يركّزون على الواجبات الفردية المطلوبة من المسلمين، ويتوسعون في عرضها والدعوة لها ويحاربون كل دعوة للتحاكم لشرع الله، ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ [النور: 48-49]، والمنافقون يعلمون أن حكم الله ورسوله هو الحق والواجب على كل مسلم طاعته والعمل لدوامه، ويعلمون أهمية العمل لاستئناف الحياة الإسلامية هذه الأيام، لتستقيم حياة المسلمين وتنضبط بتطبيق الشريعة الإسلامية، لكنهم لا يريدون الحق ولا يطيقون العدل، فكيف من يدعي الإيمان يسلك هذا السلوك الملتوي؟ إنما هم المنافقون في كل زمان ومكان، لا يجرؤون على الجهر بكلمة الكفر، فيتظاهرون بالإسلام، ولا يرضون أن تقضي بينهم شريعة الله ولا أن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله r ، فإذا دعوا إلى حكم الله ورسوله أبَوا وأعرضوا وانتحلوا المعاذير ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ ولن يستقيم الإيمان مع رفض حكم الله ورسوله. إن الرضا بحكم الله ورسوله هو دليل الإيمان الحق، وهو المظهر الذي ينبئ عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب.

 

ومن يرفض حكم الله وحكم رسوله، إلا من لم يعم نور الإيمان قلبه، ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ أيشكّون في حكم الله وهم يزعمون الإيمان؟ أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله؟

 

إن حكم الله هو الحكم الوحيد المبرئ من مظنة الحيف، لأن الله هو العادل الذي لا يظلم أحدا، وكل خلقه أمامه سواء، فلا يظلم أحدا منهم لمصلحة أحد، وكل حكم غير حكمه هو مظنة الظلم والطغيان، فالبشر يميلون إلى مصالحهم أفرادا كانوا أم جماعات، ومن يشرع من الناس فهو يضع في التشريع ما يحمي نفسه ويحمي مصالحه.

 

أما العدالة المطلقة فهي تشريع الله، من أجل ذلك كان الذين لا يرتضون حكم الله ورسوله هم الظالمون الذين لا يريدون للعدالة أن تأخذ مجراها وتنصف الناس، ولا يحبون للحق أن يسود، ﴿بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. أما المؤمنون حقا فهم الذين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم قالوا سمعنا وأطعنا، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: 51]، فهو السمع والطاعة بلا تردد ولا جدال ولا انحراف، السمع والطاعة المستدامتان من الثقة المطلقة في أن حكم الله ورسوله هو الحكم الحق، وما عداه الهوى ﴿وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، المفلحون لأنهم يطيعون الله، وشريعته تنظم شؤون حياتهم وعلاقاتهم، ويحكم بينهم بكتاب الله وسنة رسوله  r، فلا بد أن يكونوا خيرا ممن يضع لهم بشرٌ مثلهم أحكاما وشريعة من عند أنفسهم.

 

﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: 52]، الطاعة في كل أمر أو نهي مصحوبة هذه الطاعة بخشية الله وتقواه، والتقوى أعم من الخشية، فهي مراقبة الله والشعور به عند كل صغيرة وكبيرة، طاعة لله ورسوله تقتضي السير على النهج القويم الذي رسمه الله للبشرية عن علم وحكمة، وهو بطبيعته يؤدي إلى الفوز في الدنيا والآخرة، وخشية الله وتقواه هي التي تكفل الاستقامة على نهج رسول الله  r، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]، وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات من أمة سيدنا محمد  r أن يستخلفهم في الأرض، ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾.

 

إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله هي طاعة لله، والاستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة، لا يبقى معها هوى في النفس ولا شهوة في القلب إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله  r من عند الله، فهو الإيمان الذي يستغرق حياة الإنسان كلها من المهد إلى اللحد بطاعة الله وحسن عبادته ليستخلفهم الله كما استخلف المؤمنين الصالحين قبلهم، وتمكين الدين – تمكين المسلمين – ظل متحققا وواقعا ما داوم المسلمون على طاعة الله وحسن عبادته ﴿يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾، إنه ما من مرة سارت هذه الأمة على نهج الله والتزمت به، ونظمت شؤون حياتها بحسبه وارتضته في كل أمورها، إلا وتحقق وعد الله لها بالاستخلاف والتمكين، وما من مرة خالفت نهج الله، إلا واستبد بها الخوف وتحكم بها الاستبداد والظلم، وذلت وهان أمرها وتخطفها الأعداء…

 

إن الإسلام منهاج حياة كامل، فهو ينظم حياة الإنسان في كل أطوارها ومراحلها، وفي كل علاقاتها وارتباطاتها، وتأييد الله تبارك وتعالى للمسلمين، مرتبط بطاعته وحسن عبادته بتطبيق شرع الله ونشر دعوته واتباع أمره ونهيه، وكذلك التمكين والنصر، والثقة بالله لا يكون إلا بطاعة الله وتطبيق شرعه والامتثال لأمره تبارك وتعالى، فمن لا يدعو لاستئناف الحياة الإسلامية والعمل لإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق شرع الله وتنفذ أمره ونهيه قد جانبه الصواب واصطف مع أعداء المسلمين وحارب الإسلام والمسلمين وسعى في تضليلهم وإبعادهم عن طاعة الله ورسوله ورمى بهم تحت أقدام الكفار.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وارحمنا وارحم والدينا وارحم المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إبراهيم سلامة

 

2019_02_14_Art_The_Trust_in_Allah_AR_OK.pdf