قضية المدرسة القرآنية تفضح خبايا النخبة
رغم كثرة المشاكل المتعلقة بقوت الناس وصحتهم وتعدد القضايا الحارقة المطروحة في بلادنا إلا أن التعاطي معها إعلاميا وسياسيا لا يرقى إلى مستوى أهميتها، لعجز الطبقة السياسية عن إيجاد حلول لهذه المشاكل من جهة وانشغال الإعلام بأجندات مختلفة تحتم عليه شكلا معينا لتغطية الأحداث والقضايا على الساحة من جهة أخرى. لهذه الأسباب تم غض الطرف عن مشاكل عديدة أو تمرير الحدث باحتشام أو المرور عليه مرور الكرام كمشكلة التعليم مثلا، في حين حظيت قضية مدرسة الرقاب للقرآن بتجييش إعلامي كبير.
فقد أثارت القضية جدلا واسعا في المنابر الإعلامية والجلسات البرلمانية في مشهد مريب.. مدرسة صغيرة في منطقة نائية تضم حوالي 60 طالبا، معطيات تحيل على قضية صغيرة يمكن البت في شأنها قضائيا إن ثبتت مخالفة قانونية… لكن الحاقدين على الإسلام مهووسون بالصيد في الماء العكر والنفخ في الرماد لتأجيج نار حقدهم على الإسلام في أبسط مظاهره، ظانين أن المسلم قد يتنكر لدينه ويخجل من هويته. تلك أمنياتهم لكن مشيئة الله ترديها سرابا يحسبه الظمآن ماءً.
لقد بعث الله القرضة تلك الحشرة الصغيرة لتأكل الصحيفة في مكة وتنهي حصار قريش على رسول الله e في الشعب، ولن يعجزه كشف المنهزمين والحاقدين في زماننا في وقت واحد فهو المدبر سبحانه وتعالى، نعم مشيئة الله جعلتهم يُخربون بيوتهم بأيديهم.
فالإعلام الذي أحاط القضية بهالة من الإشاعات والأكاذيب وقدم المدرسة على أنها خطر محدق بالتونسيين لم ينل إلا الهزيمة واستنكار التونسيين للأمر لأن الناس تحب أهل القرآن، وها هم ينشرون على صفحات التواصل الإلكتروني صورا وأخبار تؤكد تمسكهم بقرآنهم وحرصهم على تحفيظه لأبنائهم.
أما عن السياسيين فمنهم من ابتهج وفرح بهذا الخبر وأعد العدة لنصر محقق، فمثل هذا الأمر يعطيه مجالا للتخلص من خصم سياسي كبير فاغتنموا الفرصة لكسب معركة انتخابية بتخويف الناس من (دعشنة) المجتمع، متناسين أن الشعب لا يعطي ثقته للحاقدين على دينه… وهؤلاء أيضا خسروا خسارة كبيرة، فقد عملوا على تحسين صورتهم على امتداد فترة طويلة حتى يقنعوا الناس أنهم لا يعارضون الإسلام ولا يحاربونه، وبفضل طرح قضية مدرسة الرقاب كشف أمرهم وبانت حقيقة عداوتهم للدين.
أما الطرف الثاني من السياسيين فهم أكبر الخاسرين، حيث إنهم كانوا محسوبين على الإسلام السياسي مما جعل الضوء مسلطا عليهم بشكل يفضح كل خباياهم. هؤلاء اضطروا للدفاع عن أنفسهم لسببين: الأول، نفي أي ارتباط لهم بفئة كهذه ليثبتوا ولاءهم للغرب وسيرهم في ركابه وإصرارهم على كسب ثقته… والثاني، هو أن يثبت لخصومه أنه مثلهم لا ينتمي للإسلاميين ولا هم ينتمون له ويؤكد لهم أن فصل الدعوي عن السياسي أمر لا رجعة عنه… فكانت الخسارة بالنسبة لهم مضاعفة فالجماعة التابعة لهذه المدرسة تمثل رقما انتخابيا لا يستهان به ويصعب تعويضه. وقد تجلى بوضوح سكوتهم على الظلم والظالمين فلم ينصروا إخوانهم المظلومين، فهل يرجى منهم خير؟ إن حال قريش كان أرحم بكثير حيث رفض بعض الكفار الاصطفاف مع الظالم وأرادوا أن يمزقوا الصحيفة، لكن بني جلدتنا ينفضون أيديهم منا وقت حاجتنا لوقفتهم…
وخلاصة القول إن النخبة من سياسيين وإعلاميين ومثقفين لا يحسنون الاستثمار إلا في الغباء السياسي حيث إنهم لم يكتفوا بتسليم رقابهم لعدوهم ورعاية مصالح أسيادهم بل زادوا الطين بلة حين اصطفوا معا مناصبين العداء للشعب المسلم يهاجمونه في عقيدته ويحاربون دينه ويصرون على قهره وقمعه رغم أنهم دعاة حرية وتحرر! لكن الشعب المسلم مُصرّ على التمسك بدينه والمحافظة على هويته ضاربا عرض الحائط بكل أكاذيبهم عاقدا العزم على التخلص منهم…
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سهام عروس
2019_02_17_Art_The_case_of_the_Quranic_school_exposes_the_hidden_secrets_of_the_elite_AR_OK.pdf