عذرا يا الله!
إن إسلامنا لا يُهدم ولا يُهزم، وإن هُدمت دولة المسلمين على غفلة وكبوة منهم، وإن كان ذلك المصاب الجلل عظيماً في الآخرة والدنيا، في حقيقته وفي أثره، فكلنا نعلم علم اليقين أن دولة الخلافة هي الطريقة الشرعية لتطبيق الإسلام في واقع الحياة، وهي الطريقة الشرعية لحمله للعالم بالدعوة والجهاد. والأمم والدول والنهضة إنما بالأساس الذي تقوم عليه في أفكارها ونظمها وحضارتها ودستورها وقوانينها وكل شيء فيها، وهذا محفوظ لأمة الإسلام، فهو عقيدة الإسلام وشريعته التي انبثقت عن تلك العقيدة الراسخة في العقول والقلوب!
فعذرا يا الله! بدلاً من أن نحتفل بعودة الخلافة الراشدة، ها نحن نتسابق في رثاء الخلافة التي أسقطها الكفار المستعمرون على أيدي خونة العرب والترك، بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، فنتج عن ذلك تحطمُ الدولةِ العثمانيةِ وتفكُكُها إلى أجزاءَ صغيرةٍ واستولى الحلفاءُ على بلاد العرب جميعِها، وسلخوها عن الدولة، ولم يكتفِ الكافرُ المستعمر بهذا فحسب، بل أوجد في كل بلد من بلاد المسلمين عملاءَ له، حتى إن بعضهم عقدوا المؤتمرات مطالبين بالاستقلال ضِمْنَ المخططات الموضوعة لهم. وللأسف أكملها علماء الأزهر بإصدارهم مؤلفات تدعو إلى فصل الدين عن الدولة وصوروه أنه دين كهنوتي كباقي الأديان وهذا ما زاد الطين بلة.
ولكن.. وإن نجح هؤلاء الكفار في هدم دولة الخلافة، فإنّ بشائر عودتها تلوح في الأفُق. فقد بدأ المسلمون بتحديد القضية المصيرية لهم، وأفاقت الأمة من غفلتها، وشقت الطريق إلى عزها، فتعالت الأصوات في ميادينها ومساجدها “الأمة تريد خلافة من جديد”، وإن صمت آذان إعلام الرأسمالية وعميت أعينهم، فلا أعمى ممن لا يريد أن يرى، ولا أصم ممن لا يريد أن يسمع، بل وإن الدعوة لإقامة دولة الخلافة أرقت أئمة الكفر وأذنابهم، ففضحت ألسنتُهم خوفَهم ومكرهم من بزوغ فجر الخلافة من جديد، وما تخفي صدورهم أعظم، سواء من الخوف من عودة الخلافة أم من مكرهم الذي طال البشر والحجر والشجر في بلاد المسلمين، بل وفي العالم أجمع. وإننا نستشعر أن الأمة بدأت تدب الحياة فيها منذ عقود، وأن تستعيد راية عزها ومجدها، فتستأنف الحياة الإسلامية في دولة خلافة على منهاج النبوة، وهذا ليس وهماً ولا خيالاً، ولا تشهد به أفعال وتصريحات الأعداء وأبواقهم فحسب، بل نحن مستبشرون بتحقيق وعد الله إذ قال: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ﴾.
ما يجعل عودة الخلافة ليس فريضة شرعية على المسلمين فحسب، بل وضرورة إنسانية للخلاص من جور الرأسمالية إلى عدل الإسلام، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، في دولة خلافة لا شرقية ولا غربية، وإنما إسلامية على منهاج النبوة!
ففي ذكرى هدم الخلافة أود أن أذكركم أيها المسلمون أن الخلافة هي الحصن الحصين والحبل المتين وأمن الآمنين وملاذ الخائفين وقبلة التائهين، فيها عدالة السماء، هي القصاص والحياة وهي المعاش والثبات، هي السبيل لإعلاء كلمة الله. الخلافة أيها الإخوة هي الدولة الإسلامية وهي خليفة يطبق الشرع، وهي كيان سياسي تنفيذي لتطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، ولحمل دعوته رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد. فالخلافة هي درة تاج الفروض وبضياعها تغيض الأمة عن الوجود، فالخلافة كلها خير في خير بل جامعة كل الخير.
يا أيها المسلمون:
مآسينا ونكباتنا ومصائبنا لا نجد لها حصراً ولا نجد لها نهاية، فهل إلى خلاص من سبيل؟
إن المتتبع لقضايا الأمة يصل إلى حقيقة مفادها أن لا خلاص لهذه الأمة ولا حل لجميع قضاياها سوى بعودة الخلافة، بل إن الواقع المحسوس ليدل على هذا دلالة قطعية لا لبس فيها، بل إنه ليؤكد أن السير في غير هذا الحل الجذري قد قاد الأمة إلى الهوان والذل وإضاعة الوقت والجهد ولم تتقدم الأمة في أي من قضاياها بل قادها ذلك إلى التراجع والانتكاس، والشواهد على ذلك كثيرة…
ويا أهل القوة:
هبوا إلى نصرة دينكم وارفعوا أيديَكم عن الحكام الخونة الذين باعوا أنفسهم للشيطان وتخلُّوا عن حمايتهم، ولا تحفظوا أسرارهم ولا تقبلوا لأنفسكم بأن تكونوا جواسيسَ لهذه الأنظمة العميلة، وسلِّموا الحكمَ لحَمَلَةِ الدعوة المخلصين، الذين باعوا أنفسَهم من أجل إعلاء كلمة الله ورفع الظلم.
ويا أيها الحكام:
اعلموا أن حكمكم مهما طال قصيرٌ في عمر أمتكمُ الطويلِ، وأيامَ العمر تمضي بسرعة، وضَمَّةُ القبر بسؤالِه آتيةٌ لا ريبَ فيها، وحسابَ الله عسيرٌ، فارجعوا إلى دينكم الذي تدَّعون الإيمان به والانتسابَ إليه، وما أحوجَكم أيها الظلمة إلى الاتعاظِ بمَن هلك قبلَكم من الحكام الظالمين.
أما نحن يا أمة محمد e، فلنعدْ جميعاً إلى الله تعالى أولاً، فعنده النصر المبين إن أخلصنا النيةَ له، واتبعنا شرعه ثم لِنَقُمْ مفرِّغين كلَّ جهودِنا لحمل راية العُقاب، وإقامةِ حكمِ القرآن، مضحين في سبيل إعلاء كلمة الله، ولو كره الكافرون، وبتكاتفنا مع المخلصين العاملين لتطبيق شرع الله الذين يعملون نهارا جهارا ولا يخافون في الله لومة لائم للصدع بقول الحق. فيجب عليكم العمل لإيقاف هذه الخيانة الكبرى فهي خيانة للإسلام وللمسلمين وخيانة لأماناتكم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
دارين الشنطي