وتستمر تنازلات طرفي الصراع في اليمن لكسب ود الغرب
عُقد مؤتمر الحوار الوطني من 18 آذار/مارس 2013م إلى 25 كانون الثاني/يناير 2014م، كأحد بنود المبادرة الخليجية بتوافق وقبول الأطراف السياسية، وبمشاركة وإشراف مباشر من الدول العشر، بالإضافة إلى الأمم المتحدة التي عملت على جمع الأطراف بواسطة مبعوثها ابن عمر، حتى الوصول في نهاية ذلك الحوار إلى مخرجاته، والموافقة عليها، ثم اندلاع الحرب، لتأتي الأمم المتحدة بمبعوثها الثاني ولد الشيخ، والقبول به من كل الأطراف، والذي كانت أهم أعماله تشكيل توليفة حكومية على أساس المبدأ الرأسمالي وعقيدته القائمة على الحل الوسط، بعد فصل الدين عن الحياة والحكم.
استمر الوضع في اليمن بالعد العكسي، حتى استقر به الحال إلى تشكيل حكومة إنقاذ بريطانية أمريكية ما بين حزب المؤتمر وجماعة الحوثيين، في مقابل حكومة هادي البريطانية العمالة في عدن. ولما وصلت القوات الإماراتية إلى جنوب اليمن، بدأت في العمل على ملاحقة الأتباع غير الموالين لها، إما باستمالتهم واحتوائهم كعيدروس الزبيدي وغيره من (أعضاء المجلس الانتقالي) الذي أنشأته الإمارات ودعمته، أو بتصفيتهم كخطباء المساجد من السلفيين والإخوان، أو بإخراجهم من محافظة عدن ابتداءً ثم مضايقتهم في بقية المحافظات كحسن باعوم وأتباعه ذوي التوجه الأمريكي، وذلك عن طريق تشكيل النخب في أغلب المحافظات الجنوبية. أما عن الجانب الأمني فقد عمدت الإمارات إلى إنشاء ما يسمى بالحزام الأمني، والذي أصبح يتحكم في كل ما له علاقة بالأمن خارج سلطة حكومة هادي، لإفشالها في القيام بأعمالها، كونها تتلقى تعليماتها من مملكة آل سعود التابعة لأمريكا، وكل ذلك بتوجيه وإشراف بريطاني.
أما في الشمال، فقد استغل الحوثيون الضغوطات الأمريكية على علي عبد الله صالح وكذلك على عبد ربه منصور هادي، لتسليم معسكرات الجيش والأمن لهم وصولاً إلى صنعاء تحت مسمى إعادة هيكلة الجيش، وكذلك الضغط على الأطراف السياسية الأخرى بتوقيع اتفاق السلم والشراكة مع الحوثيين، في الوقت نفسه الذي تستمر فيه العمليات العسكرية، وصولاً بعد ذلك إلى الإعلان الدستوري من الحوثيين، والذي يمثل انقلاباً على الاتفاقات السابقة كلها، وتعطيل العمل بالدستور والقوانين التي أقرت في فترة الحكم السابق لعلي صالح. كل ذلك كان تحت رعاية أمريكا وتوجيهاتها للحوثيين.
لقد أصبح اليمن تحت الوصاية الدولية ابتداءً من المبادرة الخليجية وما زالت تلك الوصاية في التوسع والتغلغل في ما يخص أهل اليمن، مروراً بوضع اليمن تحت البند السابع، وذهاب مندوب أممي والإتيان بآخر، وتلبية أطراف الصراع لدعوة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، لعقد المشاورات سواءً التي عقدت في الكويت أو في جنيف أو السويد أو الأردن أو الحديدة أو التي سوف تعقد لاحقاً.
كل تلك الأحداث والمشاورات والمؤتمرات والمبادرات تصدرها القوى الخارجية المتصارعة على اليمن سواء أكانت بصورة مباشرة من تلك الدول، أم غير مباشرة عن طريق الأمم المتحدة ومجلس أمنها عبر المبعوثين الأمميين، بالإضافة إلى القيام بجلب الأطراف اليمنية إلى تلك المشاورات والمؤتمرات، بل وتحديد أماكنها، والأدهى من ذلك صياغة بنود الاتفاقات وإقرارها، وما على الأطراف اليمنية إلا التوقيع الشكلي أمام عدسات الكاميرات لنقلها إعلامياً عبر شاشات القنوات الفضائية، والترحيب بتلك الاتفاقات من الدول الراعية لها، لذر الرماد في عيون البسطاء من أهل اليمن بأن ما تم الاتفاق عليه هو الحل الذي يأملون فيه خيراً، ولكن لا يلبثون حتى يظهر لهم بطلان ما اتفق عليه ووضوح عواره وضوحاً جلياً لا لبس فيه، ليقوم الغرب الكافر بأعمال أخرى لصرف أهل اليمن عن تلمس الحل الجذري الصحيح لمشكلتهم من عقيدتهم الإسلامية.
إن التنازلات التي يقدمها أطراف الصراع من أهل اليمن، ليست إلا لكسب ود الغرب عنهم لتمكينهم من تلك الكراسي المعوجة قوائمها التي بمجرد الجلوس عليها قد تمكنوا من التحكم في مصير أهل اليمن ونهب ثرواتهم لصالح من أوصلوهم لسدة الحكم، والحصول على فتات ما يتفضل به عليهم أسيادهم الغربيون، والأنكى من ذلك ضمان أنظمة وأحكام عقيدة المبدأ الرأسمالي المتهالك كمعالجات لمشاكل أهل اليمن بعيداً عن أحكام وأنظمة عقيدة الإسلام وما انبثق عنها من أنظمة لحل مشاكلهم بل ومشاكل العالم أجمع.
في الأخير لا بد من إلقاء النظرة على ما تقوم به أطراف الصراع المحلية في اليمن من تقديم التنازلات على حساب دينهم وبلدهم وشعبهم، والتي تتمثل فيما قام به خالد اليماني وزير خارجية هادي من الذهاب إلى مؤتمر وارسو والجلوس إلى جانب رئيس وزراء كيان يهود الغاصب لأرض فلسطين بنيامين نتنياهو ومصافحته ومحادثته، لهثاً وراء التطبيع معه، فنجد الطرف الآخر المتمثل في الحوثيين قد أعلن عن مسودة الرؤية للدولة اليمنية الحديثة وهي رؤية علمانية بامتياز يقول من خلالها للغرب إنه لن يطبق الإسلام الذي يتخذه كشعار، وقبلها موافقتهم على تسليم الحديدة وموانئها للأمم المتحدة، أليس ما يقوم به هؤلاء من انبطاح وتوسل لكسب ود الغرب منافياً لقول الله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]، ولقول رسوله الكريم e الذي رواه أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْراً شِبْراً وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» (متفق عليه)، ومع كل ما يقومون به، نجدهم يتشدقون بالإسلام والإخلاص لشعبهم وبلدهم؟! مع أن احتكامهم وتحاكمهم لغير ما أنزل الله، وارتضاءهم للكافر المستعمر حكماً بينهم، أكبر خيانة للإسلام والأمة.
لقد ذكرتنا مواقفهم تلك بما كان عليه العرب قبل الإسلام من خنوع وذل؛ الغساسنة والمناذرة للفرس والروم حتى أعزهم الله بالإسلام، وها هو التاريخ يعيد نفسه، ولن تعود تلك العزة لمسلمي عرب اليوم وغيرهم من المسلمين، حتى يعودوا لدينهم ويجعلوا له السيادة عليهم، وذلك بالعمل على إقامة كيانه التنفيذي، دولة الخلافة على منهاج النبوة، فيا فلاح من عمل لها عن وعيٍ وإخلاص.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله القاضي – ولاية اليمن
2019_02_28_Art_conflict_parties_in_Yemen_continue_surrender_to_win_the_West_favor_AR_OK.pdf