سارعوا لتكونوا أنصار الله ولا تبيعوا دينكم بدنيا الحكام أيها العلماء!
نصح عضو هيئة علماء السودان الشيخ/ محمد أحمد حسن، بإخضاع الوزراء ووكلاء الوزارات والعاملين بالدولة، إلى دورات، عن مشاهد يوم القيامة من سكرات الموت إلى الحساب، قبل تعيينهم، لتخويفهم حتى يؤدوا أعمالهم بتفان! وقال إن الإخضاع لتلك الدورات يرمي في قلوبهم المهابة والخوف، وأرجع ظاهرة الفساد لعدم الخوف من الله، ودعا الشيخ، في ندوة (الآثار الاجتماعية للأزمة الاقتصادية ومنهج التعامل معها)، إلى إعادة الهيبة والتخطيط للخدمة المدنية، كما في السابق، ونبه التجار، وبحسب صحيفة مصادر، لخطورة ظاهرة الغش، والتطفيف، وطالبهم بوضع لوحة إعلانية مكتوب عليها الآيات الأولى من سورة (المطففين) للتذكير بأمر الغش، وما يترتب عليه.
أن يستدل العلماء بالشرع الحنيف للبحث عن مخرج للأزمات، أمر يحمدون عليه، أما أن يكون المخرج بالوعظ والإرشاد فقط، لحكام يحكمون بغير شرع الله، دون تحميلهم مسؤولية الظلم والفساد الظاهر، فإن هؤلاء العلماء يصنعون المستبدين، ويساهمون في توطيد أركان الظالمين، وكأننا في أوروبا في قرونها المظلمة، حيث كان الاستبداد السياسي هو وليد الاستبداد الديني، وهو أحد أسباب فصل الدين عن السياسية في أوروبا إبان ثورتها.
كم من العلماء اليوم من يفتي، لكن فتاواهم في وادٍ والإسلام في وادٍ آخر، يدّعون حرصهم على الإسلام، وهم متلبسون بالتمسك بواقع ينقض الإسلام جملة وتفصيلا، بل يديم إبعاد الإسلام عن سدة الحكم، لأنهم لا يفتون لهذا الواقع بأنه باطل شرعاً، وهو أصل كل الأزمات وكأنهم بفهمهم هذا يتبنون المقولة الشهيرة (لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين)!
أما كان من باب أولى أن يدعو عضو هيئة العلماء إلى نظام الحكم في الإسلام، وتطبيق شرع الله كاملاً في الدولة والمجتمع؟! فهو الضمان الوحيد للعدل والإنصاف، وكل ذلك مما يدعو إلى قلة الفساد والمفسدين، وحفظ المال العام، والأمانة وعدم الغش، وصيانة المجتمع، بعكس الحال في القوانين الوضعية التي يحكم بها السودان، فإنها ليس لها في نفوس من يطبقونها أو تطبق عليهم، ما يحملهم على طاعتها، وهم لا يطيعونها إلا بقدر ما يخشون من الوقوع تحت طائلتها، ومن استطاع أن يرتكب جريمة، وهو آمن من سطوة القانون، فليس ثمة ما يمنعه من ارتكابها، من خُلُقٍ أو دين، لذلك تزداد عمليات الفساد الممنهج من الحكام أنفسهم، وبطانتهم، زيادة مطردة في ظل أنظمة الحكم الوضعية في السودان.
وعلى الشيخ أن يوجه فتواه أولا إلى رأس الدولة، بأن تولي الحكم هو عبادة تقربه إلى الله، وأنه يثاب عليها إن أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها، من رعاية الناس والسهر على حاجاتهم، وإن قصر في ذلك لأي سبب، تنازل عن الحكم لغيره من الأكفاء مخافة العقاب الأخروي، ومخافة غضب الله، روى مسلم أن النبي eقال: «وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يوم الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلا من أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الذي عليه فيها».
فما يقوم به هؤلاء المشايخ بفتاويهم المضللة هذه في مضمونه ادعاء بأن الإسلام دين ليست به شريعة لسياسة الدولة والمجتمع، لذلك وعظ وإرشاد الحاكم بدلاً من الأخذ على يده وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، ومحاسبته، هي دعوة تمنح الشرعنة لحكومات تحكم بغير ما أنزل الله، وتفرض فلسفة وقانوناً وضعياً يبعد فكر الأمة وشعورها عن هويتها الإسلامية، وهذا ما وصلنا إليه بكل أسف، أورد ابن تيمية قصة عالم مع أمير فقال (دخل أبو مسلم الخولاني، على معاوية بن أبي سفيان، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل السلام عليك أيها الأمير، فقال السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل أيها الأمير، فقال السلام عليك أيها الأجير، فقالوا قل الأمير، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول، فقال: إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها، وداويت مرضاها، وحبست أولاها على أخراها، وفاك سيدها أجرك، وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداوِ مرضاها، ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها).
فالإسلام يمزج بين المادة والروح، أي يجعل أعمال الإنسان كافة ذات صلة بالله سبحانه وتعالى، فلا فرق بين المسجد والدولة، ولا بين الصلاة والوزارة، فهو دين منه الدولة وهو عبادة وقيادة، وكما أن الدين، العقيدة والعبادة، جزء من الإسلام، فالحكومة التي تضبط المعاملات الحياتية للمجتمع هي جزؤه الثاني، بل هي الجزء الأهم لأنه يفرض الجزء الأول في المجتمع بعامة، عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “لَمَا يَزَعُ السُّلْطَانُ النَّاسَ أَشَدُّ مِمَّا يَزَعُهُمُ الْقُرْآنُ”.
وأحكام الإسلام على تنوعها وتعددها أيها الشيخ الجليل، أنزلت بقصد هداية الناس في الدنيا ليجتازوا أهوال القيامة ويدخلوا الجنة في الآخرة، ومن ثم كان لكل عمل دنيوي وجه أخروي، فالفعل العقائدي أو التعبدي، أو المدني، أو الجنائي أو الدستوري، أو السياسة الخارجية، له أثره المترتب عليه في الدنيا من أداء الواجب، وإحقاق حق أو إبطال باطل، أو توقيع عقوبة، أو ترتيب مسئولية، ولكن هذا الفعل الذي يترتب عليه أثره في الدنيا له أثر آخر مترتب عليه في الآخرة، هو المثوبة أو العقوبة الأخروية، فكل نفس بما كسبت رهينة. ومن هنا يتضح أن الشريعة مقصود بها العبور بالبشرية من الدنيا إلى الآخرة، وأنها وحدة واحدة لا تقبل التجزئة، فهو دين منه الدولة والسياسة والحكم، كالجملة التي لا تقبل الانفصام في عباراتها وحروفها، وإلا أصبحت غير مفهومة فلا تُؤخذ بعض أحكام الإسلام التعبدية ويترك ما يقيمه بين الناس لأنه لا يؤدي إلى تحقيق الغرض منها.
كما أن نصوص الشريعة نفسها تمنع من العمل ببعضها وإهمال البعض الآخر، كما تمنع من الإيمان ببعضها والكفر ببعض، وتوجب العمل بكل أحكامها والإيمان إيماناً تاماً بكل ما جاءت به، فمن لم يؤمن بأحكام السياسة والحكم ويدعو لها مثلها مثل باقي الأحكام دخل تحت قوله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَاب﴾.
ألا فيعلم علماء المسلمين أن هذه الأنظمة العلمانية، لا تراعي مواقفهم تجاهها، وفي حال تعارضت مصالحها مع طرحهم، فمصيرهم عندها كما يحدث في بلاد الحرمين من إبعادهم عن الخطابة، وكل وسائل الإعلام أو حتى السجن!
ولا حلّ لهذه الأمة إلا بموقف حقيقي، يحق الحق ويبطل الباطل، من علماء الأمة، كموقف العز بن عبد السلام، والعمل مع العاملين المخلصين لتحريك الجيوش ببيان من علماء الأمة، للإطاحة بهذه الأنظمة الوضعية، التي لا تراعي حقّ العلم والعلماء، وإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، حتى ترجع الأمة إلى دينها، تحكم به وإلا فينطبق عليكم قول “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، ولن تذكركم الأمة إلا كما تذكر هؤلاء الحكام! والإسلام منصور بكم أو بغيركم، فسارعوا لتكونوا أنصار الله، ولا تبيعوا دينكم بدنيا غيركم، فهو والله خسران الدنيا والآخرة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة/ غادة عبد الجبار – أم أواب
2019_03_03_Art_Do_not_sell_your_religion_to_the_rulers_AR_OK.pdf