Take a fresh look at your lifestyle.

العقدة الكبرى والعقد الصغرى – الحلقة الحادية عشرة

 

العقدة الكبرى والعقد الصغرى

الحلقة الحادية عشرة

 

 

ثانياً: عقدة الشقاء والجري وراء السعادة

 

يسعى الإنسان في هذه الحياة الدنيا إلى تحقيق السعادة، ولكن للسعادة مفهوماً لا يصل إليه إلا من ارتضى عقيدة الإسلام، واعتنق مفاهيمها ونفّذ أحكامها، وسار على مقاييسها.

 

هل سعادة الإنسان في غناه؟ أو: هل سعادة الإنسان فيما امتلك من أراض وعقارات وسيارات وبيوت وخدم  وطعام وشراب ولباس وراحة؟ هل سعادة الإنسان في نيلِ المراكزِ والمناصبِ وتحقيق التفوّق وضرب الأرقام القياسية؟ هل سعادة الإنسان في إشباع حاجاته وغرائزه وتلبية كل رغباته؟ وهل سعادةُ الإنسانِ في تحقيقِ حريتِه الشخصيةِ، وتحقيقِ حريةِ التملك، وتحقيقِ حرية الرأيِ، وتحقيق حريِة الفكرِ والمعتقدِ؟

 

ظن الغرب أن السعادة في ذلك كله، أو بعضه، فسعوا إلى اكتساب المال بشتى الطرق، حتى أربوا فيه على الغاية، وامتلكوا ما لم يكونوا يحلمون به، ولكن بعدما امتلكوه ماذا وجدوا؟ هل حققوا السعادة؟

 

لا، وهذه إجابتهم.

 

ظنوا أن السعادة هي في ممارسة الجنس، فتفننوا في ممارسته، بكافة الأنواع والكيفيات، واستمرار الإشباع، وإقامة الحفلات الخاصة به، وجربوه مع كل الأجناس، فماذا وجدوا؟ وإلى أين وصلوا؟

 

لقد وصلوا إلى الشذوذ، فلم يعد الإشباع الطبيعي يشبعهم أو يرضيهم، بل لا بد من الإشباع الشاذ، ولا بد من ممارسة العنف، وممارسة مختلف أشكال التسلط حتى يشبعوا، وليتهم شبعوا.

 

ظنوا السعادة في الشهرة، فسعوا إليها بكل وسيلة ممكنة، حتى لم يتركوا باباً من أبواب الفسق والفجور والشذوذ إلا وطرقوه ودخلوا فيه، الغناء والرقص والموسيقى والإثارة، الرياضة، جعلوا تحطيم الأرقام القياسية غاية وهدفاً لأنهم افتقدوا الإحساس الطبيعي بالحياة، وفقدوا الإحساس بالمتعة، وما حسبوا أن المتعة في الحياة الدنيا مؤقتة، ولا يمكن الاستمرار فيها، لإن الاستمرار فيها يعني فقدان طعمها، خذ أيّ شيء يحبه الإنسان، من أكل أو شرب أو استمتاع، أو أي عمل من الأعمال، واجعل صاحبه الذي يحبه يمارسه أكثر من المعتاد، فمثلاً شخص يحب اللحم، أطعمه لحماً عدة مرات في اليوم لأسبوع كامل، إنه بلا شك سيفقد طعم اللحم، وسيفقد الشوق إليه، ويصبح لا قيمة له عنده، أي تقل رغبته فيه، وربما تنعدم، انظر إلى مقياس الثمن، أنهم يقيسون الثمن بمقدار ما في الشيء من إشباع حاجة أو تلبية رغبة، ولكنهم لا يقيسونها في بداية الإشباع، بل في نهايته، فلا يقدرون ثمن الرغيف بالنسبة للجائع، أي ليس بالنسبة للرغيف الأول، بل إن من يأكل ثلاثة أرغفة مثلاً يقيسون ثمن الرغيف بالنسبة له عند الرغيف الثالث أو الرابع، أي عندما يقلّ مستوى الرغبة فيه. فالإكثار من الإشباع بقصد الإشباع يفقد الإشباع معناه، ويفقد الشخص الاستمتاع به، ويفقده الرغبة فيه، ونظراً لأن الأمر فطري وغريزي، ويثور هذا الدافع بوجود مثير ذهني أو خارجي، فإن الإنسان يندفع لكي يشبع، ولكن بمحاولة تغيير في الطعم، فيغير في كيفية الإشباع، وفي شكله وهيئته، وربما في زمانه ومكانه، وغير ذلك من الاحتمالات الممكنة.

 

فهل بعد هذا تصلح المتعة أن تكون غاية وهدفاً في الحياة الدنيا؟

 

انظر إلى المبدأ الرأسمالي الذي جعل معتنقه يضع مثله العليا ومقاييسه، انظر إليه كيف جعل معتنقه يصل إلى نتيجة اليأس من الحياة، حيث اكتشف أن ما سعى إليه طول حياته ليس هو الذي يريد. فيندم حين لاتَ مندم.

 

نعم هذه هي النتيجة، اختلاف النتيجة بين ما يريده فعلاً وبين ما يسعى إليه، فهل يستطيع الإنسان أن يحدد وحده ما يريده؟

 

الجواب قطعاً: لا

 

لماذا؟

 

لأن ما يريده مرتبط ارتباطاً وثيقاً غير قابل للانفصام مع ما خلق لأجله، وهو عقدته الكبرى في أسئلتها الثلاثة، تدفعه لأن يصل بعقله إلى إجابة عقلية مقنعة وصحيحة للأسئلة الثلاثة، من أين جئت؟ ولماذا؟ وإلى أين؟

 

الذي خلق لأجله، والذي يريده الإنسان، درى ذلك أم لم يدر، هو السير على نظام الله تعالى الذي أنزله إليه على رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

 

كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير

أبو محمد – خليفة محمد – الأردن