الحراك الشعبي في الجزائر؛ التغيير الجذري المرتقب
تشهد الجزائر في الآونة الأخيرة وبالتحديد بداية من يوم 22 شباط/فبراير 2019 حراكا شعبيا غير مسبوق في كل المحافظات من بينها العاصمة التي يمنع فيها التظاهر منذ سنة 2011!
ويرى كثير من المتابعين أن سبب هذا الحراك هو سعي بوتفليقة لإعادة انتخابه بعدما اختاره حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم مرشحا له في الانتخابات الرئاسية رغم تدهور حالته الصحية وخضوعه للعلاج داخل مستشفى جنيف الجامعي بسويسرا وغيابه الذي دام أكثر من 5 سنوات ولم يخاطب فيها الشعب الجزائري!
هذا في ظاهر أسباب الحراك، وفي حقيقة الأمر هي تراكمات لعقود من الزمن من جراء التهميش والقمع والظلم والبطالة وأزمة السكن وغيرها من الأزمات المتفاقمة التي يعانيها أهل الجزائر مما ولد بركانا داخليا قابلا للانفجار في كل لحظة. وكان الإعلان للعهدة الخامسة ومضي السلطة قدما في استبلاه وتدجين الشعب مبررا لهذا الانفجار.
ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن الشعوب الإسلامية والعربية على الدوام ضحية صراع القوى الاستعمارية بأدوات محلية لاغتصاب السلطة ونهب ثرواتها ومسخها عن هويتها الإسلامية وصرفها عن قضيتها المصيرية…
فالصراع على أشده بين أجنحة الحكم في قصر المرادية ورئاسة أركان الجيش والأحزاب المعارضة بداية من سنة 2012 على إثر تواجد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مستشفى فالدوغراس بفرنسا ومحاولة الانقلاب الفاشلة التي خطط لها الجنرال السابق الأمين بومدين “شهر التوفيق” بالاعتماد على المادة 102 من الدستور التي تخول له إعلان شغور منصب الرئيس لأكثر من 45 يوما.
وتكررت محاولة الانقلاب وكانت على إثر قضية إدخال كمية من الكوكايين تبلغ 700 كيلوغرام في ميناء وهران وكان المتهم الرئيسي فيها المدير العام للأمن الوطني عبد الغني هامل في محاولة لإدخال البلاد في فوضى خلاقة يتم بموجبها بعثرة أوراق النظام الذي كان سدا منيعا وبالمرصاد لكل شبهة، فقام بتصفية قيادات كبرى من الجيش والأمن على غرار القائد السابق للدرك الوطني اللواء مناد نوبة والقائد السابق للناحية الأولى اللواء حبيب شنتوف واللواء سعيد باي القائد السابق للناحية الثانية ومدير المالية بوزارة الدفاع اللواء بوجمعة بودواورة والقائد السابق للناحية الرابعة اللواء عبد الرزاق شريف والعديد من الولاة والقضاة…
وخلال هذه السنوات منذ فوز بوتفليقة في انتخابات 2014 عجز النظام الجزائري في إيجاد البديل لخلافة بوتفليقة المقعد، وتمهيدا لانتخابات 18 نيسان/أبريل 2019 برزت وجوه على الساحة السياسية لخوض الانتخابات على غرار علي بن فليس أمين عام حزب طلائع الحريات وعبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية ولويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال المعارض خصوم الماضي والحاضر، إضافة إلى بروز الوجه المهرج رشيد نكاز والرجل الأبرز والأكثر أهمية الجنرال المتقاعد علي غديري المنافس الفعال لبوتفليقة والمدعوم من جهاز المخابرات المنحل بقيادة محمد الأمين مدين المعروف باسم “الجنرال توفيق”.
وفي محاولة لامتصاص الغضب الجماهيري أعلن جناح بوتفليقة لانتخابات رئاسية مبكرة خلال سنة لن يترشح فيها بوتفليقة حال فوزه في الانتخابات المزمع عقدها في 18 نيسان/أبريل 2019 المقبل يتم خلالها إعداد دستور جديد وميلاد جمهورية جديدة!
وفي محاولة ثانية لامتصاص الغضب الجماهيري حذر وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الوطني أحمد قائد صالح من انزلاق الاحتجاجات وتحولها إلى أعمال عنف، وقال في كلمة ألقاها أمام قيادات عسكرية بالمنطقة العسكرية السادسة بتنمراست “هل يعقل أن يتم دفع بعض الجزائريين نحو المجهول من خلال نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جرّ هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة بل غير مؤمنة العواقب”!
– سيناريوهات عدة ومحتملة في قادم الأيام: منها إعلان المجلس الدستوري عجز الرئيس وإعلان شغور منصب الرئاسة وتفعيل المادة 102 من الدستور ثم تولي الرئاسة مؤقتا من طرف رئيس مجلس الأمة إلى غاية تنظيم انتخابات رئاسية في غضون 90 يوما.
– السيناريو الثاني المحتمل هو تولي علي غديري الجنرال المتقاعد الحكم باعتباره الأقوى من بين المترشحين والمدعوم من رجال أعمال وإعلام وأحزاب ومنظمات الدولة العميقة.
– السيناريو الثالث في حالة إصرار ترشح بوتفليقة سيقود إلى صدام مع الطوفان البشري ثم الإعلان عن حالة الطوارئ أو تمييع الحراك والسعي إلى تفكيكه على شاكلة العشرية السوداء خاصة بعد التأييد الفرنسي والأمريكي للحراك الشعبي في الجزائر.
– وفي كل الحالات فإن الشعب الجزائري الأبي يقول كلمة الفصل ويحرج ويبعثر كل الأوراق السياسية لخصومه في الداخل والخارج بين منادٍ بعشرية سوداء وخاضع لقرارات الزمرة الحاكمة، وعي وانضباط تام واصطفاف والتحام مع أفراد الأمن والجيش، حراك منظم لم يسبق أن شهدته مناطق الربيع العربي…
شعب استوعب ما يكفي من التجارب والدروس السابقة والحلول الترقيعية والوعود…
شعب رافض لكل الوجوه البارزة ويطالب بإسقاط النظام والتغيير الجذري لينقذ البلاد والعباد من جور الرأسمالية وعبادة الديمقراطية وضيق الدنيا إلى عدل الإسلام وعبادة رب العباد وسعة الدنيا والآخرة…
شعب يصحح مسار ثورات الربيع العربي ويعلّم حكام العرب والعالم معنى إرادة الشعوب في التغيير الجذري بنظام منبثق من عقيدتهم الإسلامية ليحمي بيضة الإسلام والمسلمين ويؤسس لنواة دولة تكون مرتكزا لدولة كبرى؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.
قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سالم أبو عبيدة – تونس