بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح160) دائرة الحربية – الجيش: الإعداد والتدريب
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: “بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ”وَمَعَ الحَلْقَةِ السِّتِّينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:”دَائِرَةُ الحَربِيَّةِ – الجَيشُ: الإِعْدَادُ, وَالتَّدْرِيبُ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ “نظامُ الإسلام” لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 61: تَتَوَلَّى دَائِرَةُ الحَربِيَّةِ جَمِيعَ الشُّؤُونِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِالقُوَّاتِ الـمُسَلَّحَةِ مِنْ جَيشٍ وَشُرطَةٍ وَمُعِدَّاتٍ, وَمُهِمَّاتٍ, وَعَتَادٍ, وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ, وَمِنْ كُلِّيَّاتٍ عَسكَرِيَّةٍ، وَبَعْثَاتٍ عَسكَرِيَّةٍ، وَكُلِّ مَا يَلزَمُ مِنَ الثَّقَافَةِ الإِسلَامِيَّةِ، وَالثَّقَافَةِ العَامَّةِ لِلجَيشِ، وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالحَرْبِ وَالإِعدَادِ لَهَا. وَرَئِيسُ هَذِهِ الدَّائِرَةِ يُسَمَّى (أَمِيرَ الجِهَادِ).
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا,وَهَذه هي الـمَادَّةُ الوَاحِدَةُ وَالسِّتونَ.وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
دائرة الحربية: هِيَ جهَازٌ مِنْ أَجْهِزَةِ الدَّولَةِ، وَرَئِيسُهَا يُسَمَّى أَمِيرَ الجِهَادِ, وَلَيسَ مُدِيرَ الجِهَادِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَمِّي قَادَةَ الجَيشِ بِالأُمَرَاءِ. رَوَى ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَمِيرُ النَّاسِ زَيْدُ بن حَارِثَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَلْيَرْتَضِ المُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ رَجُلاً فَيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ». وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ …». وَرَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: «وَغَزَوْتُ مَعَ زَيْدٍ، وَكَانَ يُؤَمِّرُهُ عَلَيْنَا». وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْثاً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقاً لِلإِمَارَةِ …». وَكَانَ الصَّحَابَةُ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ، يُسَمُّونَ جَيشَ مُؤْتَةَ جَيشَ الأُمَرَاءِ. وَرَوَى مُسْلِمُ عَنْ بُرَيدَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ …».
وَدَائِرَةُ الحَربِيَّةِ تَتَوَلَّى جَمِيعَ الشُّؤُونِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِالقُوَّاتِ الـمُسَلَّحَةِ عَلَى النًّحْوِ الـمَذكُورِ فِي الـمَادَّةِ. وَيَدخُلُ فِي صَلَاحِيَّةِ دَائِرَةِ الحَربِيَّةِ بَثُّ العُيُونِ عَلَى الكُفَّارِ الـمُحَارِبِينَ، وَتُنشَأُ إِدَارَةٌ لِهَذَا الغَرَضِ تَابِعَةٌ لِدَائِرَةِ الحَربِيَّةِ.
وَأَدِلَّةُ أَعْمَالِ دَائِـَرةِ الحَـربِيَّةِ الـمَـذكُـورَةِ هِيَ مَشـْهُـورَةٌ فِي سِـيرَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ هَذِهِ الأَدِلَّةِ:
أولا: أدلة الإعداد: قَولُهُ تَعَالَى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّـهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).(الأنفال 60) وَلِمَا رَوَاهُ ابنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ مَكْحُولٍ “أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ المِنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ أَرْبَعِينَ يَوْماً”. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ: “حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي الإِسْلاَمِ بِالمِـنْجَنِيقِ”.
ثانيا: أدلة التدريب: رَوَى مُسْلِمُ عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الـمِنْبَرِ يَقُولُ: “(وَأَعِدُّوا لَـهُمْ مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ). أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ”.وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَع قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِياً، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ». وروى مسلم «أَنَّ فُقَيْماً اللَّخْمِيَّ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ، قَالَ عُقْبَةُ: لَوْلاَ كَلاَمٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ أُعَانِيهِ، قَالَ الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لاِبْنِ شَمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، أَوْ قَدْ عَصَى».وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيدٍ قَالَ: كُنْتُ رَامِياً أُرَامِي عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، فَمَرَّ بِي ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا خَالِدُ,اُخرُجْ بِنَا نَرمِي، فَأَبْطَأْتُ عَلَيهِ فَقَالَ: يَا خَالِدُ, تَعَالَ أُحَدِّثُكَ مَا حَدَّثَنِي رَسُولُ اللهِصلى الله عليه وسلم ، وَأَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ، وَارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، لَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ إِلاَّ ثَلاَثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا أَوْ قَالَ كَفَرَهَا”.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.