Take a fresh look at your lifestyle.

جريمة مسجدي نيوزيلندا

 

جريمة مسجدي نيوزيلندا

 

 

 

الخبر:

 

تعرض المسلمون في مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا إلى اعتداء آثم أثناء تأديتهم صلاة الجمعة 2019/3/16. وقد أثارت الجريمة مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

التعليق:

 

لا شك أن حادث مقتل المسلمين وهم في صلاتهم وخشوعهم لله عز وجل يعتبر حدثا عظيما في جميع المقاييس. فقد سرت في تاريخ الأمم والشعوب أن التعرض لدور العبادة والاعتداء على من يؤمها يعتبر عملا مخالفا للأعراف السائدة. ولم يعرف التاريخ مخالفا لهذه الأعراف إلا في حالات نعتها الأمم وحاربتها الشعوب وذهبت في التاريخ مثالا للجرائم البشعة والهمجية كما كان الحال مع المغول، وبعض الحملات الصليبية. وكان العرب في الجاهلية يقيمون وزنا للبيت الحرام، ويعتبرون من يدخله آمنا ولا يجوز ترويعه.

 

وقد كشفت جريمة مسجد النور ومسجد لينوود في نيوزيلندا عن استمرار كثير من الشعوب في العالم في احترامهم لأماكن العبادة وحرمتها وعدم جواز استخدامها ساحة للقتال أو الاعتداء، كما برز في نيوزيلندا نفسها وكندا وغيرها من البلدان.

 

كما كشفت الجريمة عن عمق العداء والكراهية عند مجموعة من الناس للإسلام والمسلمين. ولا شك أن هذه الحالة الشعورية ضد المسلمين عند بعض الناس قد ساهم في إيجادها وتنميتها أربابُ النظام العالمي الحديث وعملاؤهم الذين باتوا يخشون من ظهور الإسلام وسيادته، والذي من شأنه أن يحول بينهم وبين استغلال الشعوب، واستعمارها، ويفضح زيف أنظمتهم ومدى ولوغها في دماء الناس وأموالهم. وبالتالي عمدوا إلى إيجاد وتأجيج مشاعر كراهية تجاه المسلمين ودين الإسلام ونظامه. فعملوا على اختراع مفهوم (الإرهاب)، وأوجدوا رأيا عاما عالميا لمحاربته ومن يقف وراءه، ومن ثم جعلوا مصطلح (الإرهاب) مرتبطا ارتباطا عضويا بالإسلام. ومن أجل ذلك أوجدوا جماعات وعصابات تقوم بأعمال شنيعة، أو هكذا صوروها، بوصفهم مسلمين أو حركات إسلامية. وسواء أكانت جريمة نيوزيلندا قد نظمها ورتب لها أرباب النظام العالمي الغاشم، أم كانت نتيجة طبيعية لحشد الكراهية والحقد الذي أوجدوه لدى حركات وجماعات مختلفة، فالنتيجة واحدة.

 

كما كشفت هذه الجريمة البشعة عن مدى الوهن الذي أصاب المسلمين، وعجزهم عن حماية دمائهم وأعراضهم، ليس فقط في ساحات المعارك مع أعدائهم، بل وحتى في مساجدهم! فدم المسلم قد رفعه الإسلام في حرمته إلى فوق مستوى حرمة بيت الله الحرام. وجعل الإسلام كل المسلم محرم، دمه وماله وعرضه. ولكن الجريمة البشعة التي أودت بحياة 50 من المسلمين في صلاتهم كشفت مدى عجز المسلمين اليوم عن الحفاظ على حرمة دم المسلم. ولم يعد مستغربا أن تسفك دماء العشرات بل المئات أو الآلاف من المسلمين سواء أكانوا في منازلهم، أو مساجدهم، أو مزارعهم.

 

وإذا لم يكن للمسلمين راع يرعى حماهم، ويصون بيضتهم، ويدفع عنهم ويتقوا به، فالنتيجة هي ما نشاهده في كل يوم من قتل وتشريد وتعذيب وتهجير وذبح وامتهان. فالرسول r يقول «إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ». فإذا غاب الإمام عن المسلمين، فقد أصبحت صدور المسلمين مكشوفة وليس لها من واق ولا حام. صحيح أن من قام بالجريمة قد يكون فردا واحدا وليس وراءه دولة أو نظام، ولكن الحقيقة التي لا بد من إدراكها هي أن الإمام لا يقوم بعمله فقط في حال وقوع الحادث. فكما أن راعي الغنم لا ينتظر حتى يأتي الذئب ليأكل غنمه، بل يعمل على تجنيب غنمه الموارد التي يتم فيها اغتصابها وقتلها، ويكون جاهزا وباستمرار للدفاع عنها وحمايتها إذا تعرضت لأي اعتداء أو هجوم… وكذلك الخليفة الإمام، فإنه يجبّ عن المسلمين حقد الحاقدين، ولا يمكّن أحدا من تشويه صورة المسلمين، بل إنه بعدله وقوته وحزمه يجعل المسلمين محل احترام البشر جميعا، ويجعل من دولة الإسلام محط أنظار الناس ليكونوا من رعاياها، ويعيشوا في كنفها ويرتعوا في جنات عدلها، بدلا من أن تكون محط أنظار المستغلين والغزاة والمستعمرين… حيث تتمنى الشعوب أن تصبح جزءا من دولة الإسلام لتنهل من عدلها وتأمن على أموالها ومصالحها. هكذا يكون عمل الإمام الخليفة الذي لا يدع مجالا لتعرض المسلمين للأذى حتى في الفيافي والصحراء، فما بالك في المساجد!

 

هناك من يقول من أبناء المسلمين الذين أصابهم الإحباط وشعروا بالعجز، وقلة الحيلة، يقولون ماذا كان يمكن للخليفة لو كان موجودا أن يفعل؟ هل سيشن الحرب على نيوزيلندا ويثأر لدم المسلمين؟ ونحن نقول إن دور الخليفة في الحفاظ على المسلمين لا يبدأ من يوم الاعتداء والجريمة، بل إن دوره يبدأ من بناء دولة عظيمة يُجلّها العدو قبل الصديق، ويصبو إليها القاصي والداني، ولا يسمح بتأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين. بل إنه يبني صرحا عظيما لا يملك أعداؤه إلا أن يحترموه حتى وهم يسعون لتدميره. فدولة الإسلام بخليفتها العادل الراشد تأسر القلوب، وتجعل أفئدة الناس تهوي إليها بما تشتهر به من حكم القانون العادل، وحسن توزيع الثروات، والحفاظ على كرامة الإنسان بحق. فالخليفة ودولة الإسلام لا تمكن أعداءها من إيجاد رأي عام عالمي ضدها. بل إنها بما لديها من قوة وحكمة وبُعد نظر وتخطيط هي التي تثير الرأي العام العالمي ليكون إلى جانبها وضد أعدائها. فحين أرادت قريش أن تشيع رأيا عاما عن دولة رسول الله r بأنها تقاتل في الشهر الحرام، قامت دولة رسول الله بوحي من الله بإيجاد رأي عام أقوى بأن قريشاً تعمل على فتنة الناس ومنعهم من الدخول في دين الله والفتنة أشد من القتل.

 

والحاصل أن المسلمين اليوم لا يزالون يتعرضون لشتى أصناف العدوان سواء أكانت في مساجد نيوزيلندا أو مينمار، أم كانت في معارك غير متكافئة كما هو حاصل في سوريا، أم في تدمير منظم كما هو حاصل في اليمن وليبيا والعراق، وغيرها كثير… فكل ذلك نتيجة قطعية في حال غياب من يرعى شؤونهم ويوردهم موارد الأمن والسلام ودعة العيش. بل إن من تنصب على حكمهم وسيادة أمرهم هو العدو بعينه. فكما قال الشاعر:

 

لا يلام الذئب في عدوانه * إن يك الراعي عدو الغنم

 

من هنا فمن كان من المسلمين قد أصابه ما أصابه من قتل إخوة لنا وهم يصلون، أو من جراء قتل المسلمين في حياض الأقصى، أو في غزة، أو في حلب وإدلب أو في أي مكان آخر… من كانت حسرته عميقة على ما يتم نهبه وسلبه من أموال المسلمين لتُستخدم في حربهم وضربهم وإخضاعهم، ومن كان قد أصابه ضيم عميق جراء ما تتعرض له نساء المسلمين في سجون الطواغيت، فمن كان كذلك ويريد أن يسترد أمنه، ويعيد الكرامة إلى أمته، والعفاف إلى عرضه، فعليه العمل الجاد لإعادة الإمام الراعي الذي هو جنة ووقاية من كل أذى، يقاتل من ورائه ويتقى به، لتصبح هذه الأمة ممن قال فيهم الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. محمد جيلاني

2019_03_26_TLK_2_OK.pdf