خبر وتعليق استئناف المفاوضات بين الاستغفال السياسي وقلب الحقائق
إن التضليل السياسي الذي تمارسه الأنظمة العربية الحاكمة ومعها السلطة الفلسطينية على الشعوب العربية قد بلغ مستويات قياسية غير مسبوقة فالمفاوضات المباشرة العقيمة التي باشرتها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير مع كيان يهود قد تحولت وبعد ثمانية عشر عاما إلى مفاوضات غير مباشرة برعاية أمريكية.
فإذا لم تُفد ثمانية عشر عاما من التفاوض المباشر مع دولة يهود فماذا عساها أن تفعل الأربعة أشهر من المفاوضات غير المباشرة؟ أم أن المسألة فيها مؤامرة وإضاعة مقصودة للوقت والهاء للمتفاوضين؟
إن المفاوضات عندما تتحول إلى هدف يُسعى لذاته فلا أحد يتوقع منها أن تُفضي إلى نتيجة فهزال المواقف العربية والفلسطينية إزاء هذه المسألة قد أحال كل شيء في المنطقة العربية إلى مغالطات سياسية والى قلب للمفاهيم.
فالمعروف مثلا في كل أماكن الصراع في العالم أن المفاوضات هي مرحلة مؤقتة عادة ما يتمخض عنها إما الهدنة من غير صلح واعتراف بالطرف المقابل وإما الصلح والاعتراف هذا ما هو معروف عالميا في كل مناطق النزاع، أما في منطقتنا العربية فالأمور تؤخذ بالمقلوب فقد حصل الاعتراف والصلح بـ (إسرائيل) قبل الانتهاء من التفاوض.
ونحن لا زلنا نذكر لاءات مؤتمر الخرطوم الثلاثة بعيد هزيمة عام 1967م حيث كانت مرتبة ترتيبا منطقيا واقعيا ( لا للتفاوض، لا للصلح، لا للاعتراف) ولكن بعد أن وقعت الخيانة وتحولت اللاءات إلى نعم كان يفترض البدء بالمفاوضات ثم لا يتم الانتقال إلى الصلح والاعتراف إلا بعد الفراغ من التفاوض.
لكن الذي حصل أن المتفاوضين اعترفوا وصالحوا قبل أن ينهوا المفاوضات فقد كانوا متعجلين ومتلهفين للالتقاء مع اليهود والتصالح معهم والاعتراف بكيانهم على أنقاض أرض فلسطين.
إن استغفال الزعماء العرب والفلسطينيين من قبل أمريكا ودولة يهود قد جعلهم يتنازلون عن شر تجميد الاستيطان لاستئناف المفاوضات والاستعاضة به ضمانات شفوية مبهمة من إدارة اوباما لا تسمن ولا تغني من جوع.
والأنكى من ذلك أن وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت عن استئناف المفاوضات غير المباشرة قبل أن تعلن لجنة المتابعة العربية الممثلة للدول العربية عنها.
فلقد بلغ الاستهتار بالعرب والفلسطينيين حدا جعل من أمريكا تسارع إلى الإعلان من دون أخذ رأي الطرف الرئيسي في المفاوضات وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى احتقار أمريكا بالقيادات العربية والفلسطينية ومدى استخفافها بها.
فما قيمة أن تجتمع لجنة المتابعة العربية المنبثقة عن الجامعة العربية وتتخذ قرارا بالموافقة على تفويض السلطة الفلسطينية بالدخول في المفاوضات المباشرة إذا كان قرار استئناف التفاوض قد اتخذ من قبل أمريكا وأعلن عنه قبل موافقة الجامعة ومنظمة التحرير عليه؟
فهذا الهوان الذي آلت إليه أمور حكام العرب وزعماء الفلسطينيين ما كان ليحصل لولا استجدائهم لأمريكا بالتسريع في عملية المفاوضات فهذا محمود عباس الذي ينطق باسم جميع حكام العرب يناشد أمريكا ويرجوها ويتوسل إليها بغرض ما يسمى بالسلام في المنطقة ويذكرها بأن إقامة الدولة الفلسطينية هي مصلحة أمريكية فلتعمل إذا أمريكا في هذا على تحقيق مصلحتها؟
فإذا بلغ اللهاث بعباس وحكام العرب حد استجداء السلام من أمريكا فهذا يعني أن الاجتماعات التي تعقدها لجنة المتابعة العربية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ما هي سوى شكليات تخفي حقيقة الخيانة الكامنة في أعماق هؤلاء العملاء والتي اشرأبت نفوسهم فصاروا يبيعون فلسطين لليهود بثمن بخس ولا يجدون أي حرج بل لا يحسون بأي وخز لضمائرهم التي فقدت ومنذ وقت بعيد أي إحساس بالعزة لكرامة أو رجولة.
أبو حمزة الخطواني