صرخة حق في ظلام الباطل
منذ مجيء الإسلام والمرأة والرجل يشكلان ركيزة المجتمع الإسلامي مع اختلاف دور كل واحد منهما عن الآخر. وباستعراض التاريخ الإسلامي منذ نزول الوحي نجد أن المساهمة في بناء المجتمع الإسلامي كان يتم بالتعاون بين الرجال والنساء، ولم تعرض قضية المرأة بشكل منفرد عن الرجل أو بصورة نقيضة أبداً إلا عندما حدث الاختلال في ثقافة الأمة، فبرزت إلى الوجود دعوات تحرير المرأة بمعناها الغربي العلماني، مما أدخلنا في حالة صراع داخلي بين ما يحق للمرأة القيام به وبين ما لا يحق لها القيام به.
ولعلي أذكر بعض المواقف التي كانت المرأة بارزة فيها بروزا ملحوظا في حياة الأمة، وشاركن رضي الله عنهن بقوة في حياة سيدنا رسول الله e مشاركة فعالة متميزة في إنشاء خير أمة أخرجت للناس، وبناء مجتمع متين في المدينة، وصبرن وتحملن الأذى، وقاتلن في سبيل الله تعالى وقدمن أول شهيدة هي أم عمّار سُمَيّة زوج ياسر رضي الله عنهم.
قاتلن يهود وصمدن في وجه البغاة، وقاتلن بالسيف والخنجر، كانت المرأة المسلمة طاقة من طاقات الجهاد، حاضرة أقوى حضور يومئذ، تقاوم الوضع القائم، ومؤسِّسة لمشروع قلب العالم، ولم تكن حبيسة بيت الجهل والاستقالة من الحياة.
فها هي أم عبد الله عندما هاجرت إلى الحبشة واعترضها عمر بن الخطاب وهي تستعد للهجرة مع زوجها، وقال لها: إنه لَلاِنطلاق يا أم عبد الله! قالت بقوة المؤمنة المجاهدة الشجاعة: “نعم والله! لنخرجن في أرض الله. آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله مخرجا”. قال عمر: صَحِبكم الله! حاولت الصحابية البطلة كسب عمر إلى صف الإسلام.
ولا ننسى موقف الصحابية العظيمة فاطمة بنت الخطاب أخت عمر عندما علم عمر بن الخطاب بإسلامها كيف صرخت بوجهه بعد أن شجها وقالت له: “نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك”.
وحضرت المرأة البطلة في الموقف الحاسم في بيعة العقبة مع ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين هما: أم عُمارة نُسَيبة بنت كعب وأسماء بنت عمرو. بايعتا مع الرجال على: «السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ الْحَقَّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ». بايعوهُ على أن يحاربوا معه الأحمر والأسود، وأن يحموه مما يحمون منه نساءهم. ووفّوْا رضي الله عنهم، وقاتلت أم عُمارة بالنبل والسيف.
وأسلمت زينب الكبرى بنت رسول الله e وبقي زوجها أبو العاص بن الربيع مشركا، فهاجرت وتركته.
وشاركت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في الصمود للعدو، ومخالفةِ القوم في الدين، ومفارقة الأهل والديار، والصبر على البلاء في النفس والزوج والولد. وشاركت يوم الحديبية بالرأي السديد الذي يدل على كفاءة المرأة المؤمنة في المواقف السياسية الحرجة.
أما سيدتنا أسماء ذات النطاقين رضي الله عنها فنقرأ في سيرتها المشرقة درسا بليغا في الرُّشد والشجاعة والصدق وكمال الزوج وبطولة الأم.
أما أم الفضل زوج العباس رضي الله عنها فقد أسلمت قبل زوجها وأسلم معها ابنها عبد الله وهو غلام صغير. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “كنت أنا وأمي من المستضعفين: أنا من الوِلدان. وأمي من النساء”. رواه البخاري. غلام صغير تبع أمه إلى الهدى ودين الحق، ولم يقعد مع أبيه على دين قومه.
وغير أولئك النسوة الكثيرات من المجاهدات، ومنهن من تعددت أدوار الجهاد لديهن مما لا يمكننا أن نتوقف عن سرد بطولاتهن، فحملن شرف اسم “صحابيات الهادي البشير محمد e” عن حق وجدارة.
فإن صمود صحابيات النبي رسول الله e في كل مجال للجهاد أكبر من أن نحاول إبرازه من خلال هذه السطور، ولكن يكفينا أن ننوه إلى صبرهنّ وصمودهنّ وحبهنّ للتضحية في سبيل إعلاء كلمة الحق كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ولو كلفهن حياتهن وحياة أزواجهن وأبنائهن، ولا يهمهن من الأمر شيء سوى انتصار الدعوة الإسلامية.
وما أشبه اليوم بالأمس، فإنّ نضال المرأة المسلمة اليوم لقلع الرأسماليّة بمثابة أولئك النسوة اللاتي ناضلن وصبرن للحفاظ على الدعوة الإسلامية، وبات واضحا لكل ذي بصيرة أنّ النظام الرأسمالي الذي أهان المرأة وأفسد حياتها ودمر آمالها وحط من قيمتها هو نظام مفلس لا حلول فيه لمشاكل البشر وبخاصّة مشاكل المرأة، فالنضال والكفاح واجب في حقّها كما هو واجب على الرّجال سواء بسواء. قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
فالله سبحانه وتعالى لم يخصّ بفرض إقامة الإسلام والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر الرّجال دون النّساء. والتقاعس والخضوع والرضا بهيمنة الرّأسماليّة بذريعة الضعف وقلّة الحيلة هو سكوت عن الجريمة، بل مشاركة فيها، ولا حجّة لنا يوم القيامة أمام ربّنا. إنّ المرأة ما اكتسبت عزة وكرامة وقيمة إلا في ظل دولة الإسلام فكانت شقيقة الرجل كما قال سيّد المرسلين e: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، حاملة الدعوة وناصرة النبوة ولا تلقى في عيشها إلا الرعاية والاهتمام في عزٍّ وتبجيل. وهو ثابت في التاريخ لا يمكن نكرانه.
وها هو حزب التحرير وبأعلى صوت أقول: نعم أنا من حزب التحرير الذي نهض بنا وجعلنا نبصر بعين الحقيقة ونفكر بفكر مستنير، هذا الحزب العظيم الذي ناضل خلال 65 عاما للعمل من أجل إحياء العقيدة الإسلامية وإحياء فكرة الخلافة عند المسلمين وتطبيق قوانين الله وترك قوانين الطواغيت بإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة على اعتبارها الشكل الشرعي لنظام الحكم، الذي يطبق الإسلام ويضمن للأمة وحدتها، ويصون لها حرماتها ويضمن لها مصالحها.
فيا أيتها النساء المسلمات، يا شقائق الرجال، يا من بيدكن الخير، قفن ضد هذه الأنظمة الخبيثة التي غزت بيوتكن وضعن أيديكن بيد حزب التحرير حتى نصل إلى العزة والكرامة ونؤمن لأولادنا وبناتنا حياة سعيدة مطمئنة في كنف الإسلام. وأذكركن بأنّ الخلافة التي يدعو لها حزب التّحرير هي فرض فرضه الله على جميع المسلمين كفرض الصّلاة، وإنّ كلّ من عمل لها طاعةً لربّه وسعياً لمرضاته من ذكر أو أنثى هو كالسابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار. قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
دارين الشنطي
2019_04_26_Art_Cry_of_right_in_the_darkness_of_falsehood_AR_OK.pdf