مفهوم الإنسانية لا يكتمل إلّا بالإسلام
كثيرا ما يُتَّهمُ المسلم بالعدوانية والحقد على غير المسلمين وحمل ثقافة الكراهية لمن لا ينتمي لدينه وعقيدته ويُبرّر ذلك بعداء المسلمين للكفّار – وخاصة اليهود منهم – وحقده على الصليبيين والمشركين عبر كلّ العصور وصولا إلى الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا وأوروبا!
لينبريَ فريق آخر للردّ على ما يعتبرها افتراءات فيرفع الشكّ بيقينه أنّ دين الإسلام هو دين المحبّة والسلام ولا يمكن لمسلم عرف دينه أن يكره ويحقد على البشر الذين يُشاركونه الإنسانيّة!
ويبقى السّجال طويلا بين فريقي الهجوم والدفاع، لتقييم شخصيّة المسلم وإعطاء علامة حسن سلوك أو سوء سلوك، وعرضه على اختبارات وتجارب وأسئلة الـ”مع أو ضدّ” لتقرير مصيره ووضعه في الخانة المناسبة له، فريق يُغالي في إدانة شخصيّة المسلم وينعته بالإرهابيّ والمتطرّف، وفريق يُسهب في تمييع شخصيّة المسلم وتذويبها ويصفه بالمسالم المتسامح…
ليُحسَمَ الجدال في الأخير لصالح من يصفون أنفسهم بالإصلاحييّن والعقلانيّين الذين يطالبون بأن يُترك الدين جانبا لأنّه لا يصلح أن يكون مقياسا لتقييم بني الإنسان وإلّا فتن بينهم وألحق الأذى، فليكُن فصل الدين عن الحياة هو الأساس، ومن شاء أن يمارس دينه فبمفرده وليس مع الجماعة لأن ما يربط هذه الجماعة هو مبدأ الإخاء والإنسانيّة وأما الدين فهو الذي يفرّق!
فهل يُمكن للمسلم وهو يعيش بأكمل الشرائع التي أتمّها الله وارتضاها لكل البشر أن يكون في موضع الدون والهوان؟ وهل يرضى لنفسه وهو يحمل خير دين وأعظم رسالة أن يكون محلّ تقييم واستفتاء وهو الذي جعله الله تعالى وسَطا في الناس وشهيدا عليهم يوم القيامة لأنه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟!
يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة: 143] إنما حوّلناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسَط ها هنا: الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبا ودارا، أي: خيرها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه، أي: أشرفهم نسبا. ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب. (انتهى)
فميزة المسلم أنّ علاقته بربّه وصلته به هي ما تُقوّي علاقته بأهله وبمحيطه وبالإنسانيّة كلّها، فكلّما زاد قرب المسلم لربّه استشعر عظمة هذه العقيدة التي يؤمن بها وعظم مسؤوليّته أمام ربّه وأمته والبشريّة جمعاء لبلوغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار لأنّه لا خير على الناس أعظم من الإيمان!
فأن تسجد سجدة بين يدي الله باكيا خاشعا متضرّعا حتّى يتبلّل وجهك من الدموع فتغسل قلبك وتشعر بعدها بهناء وسكون، لا يعرفه إلاّ المسلم!! وأن تعطي من مالك صدقة تؤثرها على نفسك فتبتسم وحدك ابتسامة في الخفاء وتشعر بطمأنينة ورضا لا يعرفها إلا المسلم!
وأن تبرّ بوالديك وتقبّل قدمي أمك وتطلب منها الرضا فتدعو لك بالخير، لا يعيش هذا الخير إلا المسلم! وأن تُسجن وتُعذّب وتُظلم من أجل هذا الدين لكنك تحتسب ذلك للّه وترجو عنده القبول وتفخر به، شعور لا يعرفه إلا المسلم!
وأن تقارع الحكام وتقوم عليهم رغم ضعفك وقلة حيلتك، عزّة لا يعرفها إلا المسلم! وأن تعمل لإحياء هذا الدين من جديد رغم التثبيط والتنكيل ورغم المآسي التي تحيط بك من كل جبهة، ثقة بالله عظيمة لا يعرفها إلا المسلم!
وأن تعيش بأحكام ربّك في الحكم والقضاء والاجتماع والاقتصاد فيتحقق الحق والعدل وتستقيم الحياة وتهنأ النفوس وتقرّ الأعين وتشرق الأرض بنور ربّها، فخر لا يعرفه إلا المسلم!
مواقف كثيرة نمرّ بها في حياتنا كمسلمين ومشاعر عظيمة وهناء وطمأنينة وسعادة محروم منها مليارات من الناس في هذا الكون، مشاعر تتجاوز الماديّة والانتفاع بالمأكل والملبس وإشباع الغرائز، هو شعور يتلخّص في سعادة كبيرة يُحققها العبد حينما يُرضي ربّه بشكل صحيح وسليم، وهذا ما يجهله غير المسلمين.
إنّ الأصل في المسلم أن يُحبّ الخير لنفسه ولغيره، ومن هنا كان دوره في حمل هذا الدين وتطبيقه والعيش به وإيصال هذه الرسالة للبشريّة جمعاء لتحقيق ذلك الخير وبلوغ تلك السعادة والطمأنينة، وهذا قول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104] هذا الخير هو الإسلام! والإسلام فقط هو من حثّ المسلم أن يحمل تلك السعادة وذلك الرضا والخير لكلّ إنسان، وأن نُحبّ لكل الناس الهداية والصلاح والنجاة في الدنيا والآخرة ونشفق على غير المسلمين لما هم عليه من ضلال وشقاء، وحمل هذا الخير يكون بالدعوة والجهاد، بالصراع الفكري والكفاح السياسي، ببيان الباطل ومحاربة الكفر، برفع السلاح واستعمال القوة على من يناصبوننا العداء، ليُضحّي المسلم بحياته ويستشهد حتى ينقذ غيره من براثن الكفر.
من هنا فإن مفهوم الإنسانية لا يكتمل إلا بالإسلام الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور ويحمل الخير لكل البشر.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري