أيها القائمون على المؤشر العالمي للفتوى
﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾
تحاول الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية تقنين الفتاوى، وحصرها في جهات محددة تتبع لها، فتنصّبها قيّمة على الدين وأحكامه، لتفصل لها الفتاوى على مقاسها، وتتخذ منها أداة لتمرير ما تريد باسم الدين بختم شيوخ وعلماء السلاطين، ولا يخلو الأمر من تلبيس وتضليل للناس في أمور دينهم، خاصة في إطار دعاوى التجديد والعصرنة للدين، ليصبح مقياس الحكم على الفتاوى والاجتهادات الفقهية هو (الاعتدال والتطرف) وفق تعريف الأنظمة الحاكمة وأسيادها، بدل أن يكون الأدلة الشرعية وقوتها، واتباع المجتهد للطريق الشرعي في الاجتهاد لإصدار الأحكام على الوقائع. وفي هذا الإطار أصدر المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية بياناً بتاريخ 16/5/2019 حول موضوعات “فتاوى المرأة”، حلّل فيها أكثر من (5 آلاف فتوى) خاصة بالمرأة على مستوى العالم بشكل عام، وفتاوى رمضان منها بشكل خاص. صنّف فيه حزب التحرير المعروف بعمله السياسي وعدم تبنيه للأعمال المادية في خانة التنظيمات (الإرهابية) مع تنظيمي الدولة والقاعدة، وفي ذلك افتراء على الحزب وتشويه لأفكاره. ومحاولة لإظهار أنَّ اجتهاداته شاذة وغريبة. وأنّ فيها “تشددا” وتضييقا على المرأة.
وإذا ما جئنا إلى ما تناوله المؤشر من “فتاوى المرأة الصادرة من حزب التحرير” نجده اختار مقتطفات قُطعت عن سياقها من أجوبة أسئلة على صفحة أمير الحزب العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أو من بيانات ومقالات وتعليقات نشرت على موقع المكتب الإعلامي المركزي أو المكاتب الإعلامية للحزب في مناطق مختلفة، وفوق ذلك هو لم يعلق عليها، ولم يبين رأيه فيها، لنفهم ما هو وجه الاعتراض لدى دار الإفتاء المصرية عليها!! وأين هي المخالفة الشرعية فيها؟!
إنّ ما أورده المؤشر في بيانه من مقتطفات لمسائل فقهية واجتهادات للحزب وأميره حفظه الله هي آراء مؤصّلة وفق أحكام الشرع ومستنبطة من أدلتها الشرعية، فالاجتهاد شرعاً يكون ببذل الوسع في استنباط الحكم الفقهي العملي من الأدلة الشرعية التفصيلية وتنزيله على مناط الحكم. فهو حين يتحدث عن شكل اللباس الشرعي للمرأة المسلمة ومواصفاته الشرعية يستند إلى مجموعة من الأدلة الشرعية منها ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ والجلباب ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ وما روي عن أم عطية أنها قالت: «أَمَرَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن نُخْرِجَهُنَّ في الفِطْرِ والأضحى، العواتقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخدورِ، فأما الحيّضُ فيَعْتَزلْنَ الصلاةَ وَيَشْهَدْنَ الخَير، ودعوةَ المسلمين. قلت يا رسولَ اللهِ إحدانا لا يكونُ لها جلبابٌ، قال: لِتُلْبِسْها أختُها من جِلبابِها» أخرجه مسلم. وحين يتحدث عن حرمة سفر المرأة بلا محرم يستند إلى ما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ» أي محرم. وفي رواية عن أبي سعيد الخدري “يومين”، وفي رواية عن ابن عمر “ثلاثة أيام”. وهذا ينطبق على سائر الأحكام والاجتهادات التي تمت الإشارة إليها. إنّ حزب التحرير ينظر للمرأة على أنّها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، وينظر للزواج نظرة شرعية تتحقق فيها المودة والرحمة، وتُحصر فيها العلاقات بين الرجال والنساء، فتتحقق العفة وتصان الأعراض ويمكن الرجوع لرأي الحزب في الزواج في كتاب “النظام الاجتماعي في الإسلام” فهو مفصّل فيه، وهي بعيدة كلّ البعد عمّا يحاول المؤشر التلبيس وتضليل الناس بخصوص رأي الحزب في الزواج، وما استشهد به من نص مقتبس من موقع الحزب على الفيسبوك في سياق حديثه عن “فتاوى الزواج وأحكامه لدى الحزب يؤكد أنّ امتهان المرأة آتٍ من النظام الرأسمالي ونظرته لها وليس من الإسلام وأحكامه التي يجعلها الحزب مقياسا له في نظرته للمرأة: “المرأة في النموذج الديمقراطي هي سلعة تباع وتشترى في بيوت الدعارة وفي الشركات ودور الأزياء، وهي امرأة مضطهدة مغتصبة في أماكن العمل والمدارس والجامعات حتى من الأقربين”.”
إنّ المرأة في حزب التحرير تسير جنبا إلى جنب مع الرجل في حمل الدعوة والعمل على تغيير الواقع الفاسد بإقامة الخلافة الحقة على منهاج النبوة، ونظرة سريعة على مواقع الحزب تري النشاطات والأعمال التي تقوم بها النساء في حزب التحرير، وتسقط كلّ افتراء يتهم الحزب بالتقليل من شأن المرأة ومنعها من المشاركة الفاعلة في المجتمع.
إنّ الأصل في العلماء والمفتين أن يكونوا ورثة للأنبياء في حمل الدين وتبليغه، والأخذ على يد الناس، لا أن يكونوا أدوات بيد الأنظمة الحاكمة، كحال دار الإفتاء المصرية فيخسروا بذلك دينهم ودنياهم، إنّ عليهم أن يكونوا مجددين للدين بحق، فيعملوا على إحيائه وإيجاده مطبقا في واقع الحياة، لا أن يكونوا مجددين للدين على منهج السيسي الذي يدعو لتجديد الخطاب الديني بمعنى جعله متوافقا مع ما تريده الدول الغربية ولا سيما أمريكا! ونختم بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾ فإن لم تكونوا عونا لدعاة الحق فلا أقل من أن لا تفتروا عليهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ …» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُخَيَّرُ فِيهِ الرَّجُلُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلْيَخْتَرِ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ». المستدرك على الصحيحين حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
براءة مناصرة
2019_05_22_Art_O_people_of_the_global_index_of_fatwa_fear_Allah_AR_OK.pdf