طاعة الله كما يحبّ لا كما نحبّ!
شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله معناها أن نعبد الله وحده لا شريك له؛ ننفّذ أوامره وإن خالفت هوانا ونبتعد عن نواهيه وإن وافقت مرادنا. منهج أرسى عليه e دعوته وجعل حبّ الله وحبّ رسوله في أعلى المراتب لا يضاهيهما حبّ النّفس ولا الولد ولا المال. وقد حذّر الله سبحانه وتعالى المسلمين من أن يكون لهم شيء أحبّ لهم من الله ورسوله والجهاد في سبيل الله ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ فجزاء من يفعل ذلك تهديد ووعيد من الله وأن يكون من القوم الفاسقين.
ركيزة مهمّة يبنى عليها إيمان المرء حتّى لا يحبّ غير الله ورسوله ودينه. بقوّتها وضعفها تقاس قوّة إيمان المرء وضعفه، فالمسلم متى كان حبّه لله ولرسوله في أعلى سلّم ما يحبّ يكون بذلك قد حقّق إيمانه الصّحيح القويم السّليم وبه ينال رضوان ربّه. عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: كنّا مع النّبي eوهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحبّ إليَّ من كلّ شيء إلاّ من نفسي! فقال النّبي e: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فقال له عمر: فإنّه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي، فقال النّبيّ e: «الآنَ يَا عُمَرُ»؛ رواه البخاري.
“بأبي وأمّي أنت يا رسول الله”… “فداك يا رسول الله”… “إلّا رسول الله”… شعارات رفعت بحرقة حين نال بعضهم وأساء لرسول الله eولكن نسأل: هل الأمّة اليوم تحبّ دينها ورسولها أكثر من الأبناء والآباء والأزواج والأموال والمساكن…؟ فهل الأمّة اليوم على استعداد للتّفريط بدنياها لأجل دينها؟ هل الأمّة مستعدّة لتضحّي بالغالي والنّفيس لرفع راية الإسلام؟ أين حبّ أمّة الإسلام لربّها ولرسوله والكافر ينتهك الإسلام ويقصيه ويحارب أحكامه؟! كيف ترضى بالعيش بدونه ولا تفديه بالأنفس ولا تبذل المال والبنين لأجل عودته وتحكيمه في الأرض كما يحبّ الله هدى ونورا للعالمين؟!
أوجب الله سبحانه على المسلمين طاعة النبيِّ e، قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ فطاعة المسلم للرّسول طاعة لله ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ هذه الطّاعة تستوجب الانقياد التّام لما أتى به الرّسول eمن قرآن وسنّة ولو خالف ذلك الهوى وصعب على النّفس، فمن يحبّ كان لمن يحبّ مطيعاً يعمل على نيل رضاه. عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». فعلى المسلم أن يتّبع ما جاء به محمّد eويعمل بما في كتاب الله وسنّة نبيّه لا يرضى بغيرهما ويحيا كما أراد له ربّه؛ عيشة يرقب من ورائها الجنّة فلا يغفل لحظة عن أحكام ربّه ولا يتجاوزها… يبحث عن الحلال فيأتيه وعن الحرام فيتجنّبه مهما كان في ذلك من صعاب ومتاعب وحتّى لا يكون في زمرة أولئك الذين يعيشون وهم عن لقاء ربّهم معرضون ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
فكيف لمسلم يقول: أحبّ الله وأحبّ رسوله e، كيف له أن يوالي أهل الكفر والعصيان ويعادي أهل الهدى والإيمان ويكون حبّه للنّاس وبغضه لهم لغير الله؟! كيف لمسلم يحبّ ربّه أن يرضى بغيره يشرّع الأحكام فيباركها وينادي بالعمل بها؟! ﴿لَّا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
قد يستغرب البعض ويتساءل لماذا على المسلم أن يحبّ الرّسول ويعظّمه هذا التّعظيم الكبير؟ وقد يراود هذا السّؤال البعض من المسلمين أنفسهم في ظلّ ما شوّه عقولهم من مفاهيم فاسدة فرضتها الحضارة الغربيّة التي سادت العالم وسيطرت على بلاد المسلمين. يجيب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأمّا السبب في وجوب محبّته eوتعظيمه أكثر من أي شخص فلأنّ أعظم الخير في الدّنيا والآخرة لا يحصل لنا إلّا على يد النّبيّ e بالإيمان به واتّباعه، وذلك أنّه لا نجاة لأحد من عذاب الله، ولا وصول له إلى رحمة الله إلاّ بواسطة الرّسول؛ بالإيمان به ومحبّته وموالاته واتّباعه، وهو الذي ينجيه الله به من عذاب الدّنيا والآخرة، وهو الذي يوصله إلى خير الدّنيا والآخرة. فأعظم النّعم وأنفعها نعمة الإيمان، ولا تحصل إلّا به وهو أنصح وأنفع لكلّ أحد من نفسه وماله؛ فإنّه الذي يخرج الله به من الظّلمات إلى النّور، لا طريق له إلاّ هو، وأمّا نفسه وأهله فلا يغنون عنه من الله شيئا…”. كيف لا يكون الرّسول e أحبّ للمسلم من نفسه وولده والنّاس أجمعين وهو الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وأنّه هو سبب بقائه البقاء الأبديّ في نعيم الجنّة السّرمديّ؟! كيف لا يحبّه هذا الحبّ العظيم وقد وهب له السّعادة التي لا مثيل لها؟!
أنْ نحبّ الله والرّسول معناه أن نطيعهما ونعمل على تنفيذ الأحكام التي جاءت في الكتاب والسّنّة ونجعلها نبراسا نهتدي ونهدي به النّاس. ننفّذها كاملة دون نقصان فلا ننتقي البعض منها ونترك الآخر أو نغيّر فيها كما تحبّ الأنفس وتهوى «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ». فأنْ يحبّ المسلم والمسلمة ربّه معناه أن يطيعه ولا يعصيه في أيّ أمر ويعمل على العيش في كنف أحكامه ولا يرضى بغيرها… أن تحبّ المسلمة ربّها معناه أن تتقيّد بأحكامه ولا تترك مجالا للهوى والنّفس فيقودانها إلى ما يغضب ربّها بأن تلهث وراء صيحات الموضة وتتناسى واجب الالتزام باللّباس الشّرعي الذي فرضه الله عليها وتخرج متبرّجة عاصية له. وأن يحبّ المسلم ربّه يعني أن يلتزم بما أمره وينتهي عمّا نهاه عنه فلا تسريحات شعر حسب آخر صيحة ولا لباس على الطّراز الغربيّ… أن يحبّ المسلم والمسلمة ربّه معناه أن لا يحيا دون أحكامه ويسير في هذه الدّنيا دون هديها ويعمل بها فيرضي ربّه وينال خير جزاء. أن يحبّ المسلم ربّه معناه أن يطيعه كما أمر وكما يحبّ لا كما يحبّ هو أو كما تحدّثه به نفسه!
فأين أنت يا أمّة الإسلام من العمل بهذا؟ أين أنت من هدي نبيّك e؟ أين أنت من المكانة التي خصّك الله بها لتكوني خير أمّة أخرجت للنّاس؟ كيف لا تسيرين على خطا نبيّك e وتكونين أمّة شاكرة لربّك؟!
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ eإِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً».
فيا خير أمّة أخرجها الله لعباده، كوني أمّة شاكرة لربّك وخذي موقعك الذي اصطفاك الله له وقودي النّاس للخير ودلّيهم إليه وأعيدي مجدك وعزّك وارفعي راية دينك عاليا… وليشمّر أبناؤك عن السّواعد وليعلوا الهمم لإقامة دولة الإسلام التي بها ستكونين بإذن الله في أعلى القمم!
كتبته لإذاعة المكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير
زينة الصّامت
2019_06_15_Art_Obey_Allah_as_He_loves_not_as_we_love_AR_OK.pdf