Take a fresh look at your lifestyle.

لا مدنية ولا عسكرية بل خلافة إسلامية

 

 

لا مدنية ولا عسكرية بل خلافة إسلامية

 

الاتفاق الذي أُبرِمَ فجر الأربعاء 2019/07/17م بين المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان وقوى الحرية والتغيير المعارِضة، والذي سيُشكَّل بموجبه “مجلس سيادي” يتكون من خمسة عسكريين وستة مدنيين ورئاسة دورية، ليقود البلاد في مرحلة انتقالية مدتها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر… هل هذا الاتفاق الذي لا يوجد تفاؤل باستمراره حسب المعطيات الراهنة هو أحد أهداف ثورة ضحى من أجلها أهل السودان؟ أو لنقل هل هو خطوة في اتجاه إنجاز أهداف الثورة؟

 

بالقطع لعب خصوم الثورة، وهم كثر، دورا بارزاً في حرف الثورة التي انطلقت عفوية لأجل حياة كريمة، عن مطالبها الأساسية لتصبح صراعاً على السلطة بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وقد كان لكثير من أنصار الثورة بعدم وعيهم السياسي دورهم السلبي في عدم بلوغ الثورة هدفها ولا حتى الاقتراب من تحقيقه بعد ثمانية أشهر عجاف تؤكد أن الثورة اختطفت وأجهضت ولم يبق لأهل السودان إلا الآثار السالبة التي تجعلهم بين مطرقة وسندان وبين خيارات لا تلبي أي مطلب للثورة.

 

منذ اليوم الأول للانقلاب على حكم البشير تورطت النخبة النشطة على مسرح الأحداث من الطرفين المجلس العسكري وإعلان الحرية والتغيير في خطاب إقصائي وممارسات سياسية ساهمت بشكل مباشر في تأزيم الوضع، إلى أن وصل لفض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش بالحديد والنار وجرَّت خلفها قطاعات واسعة من المصطفين مع، أو ضد، إلى مستنقع الصراع الذي ما زال محتدماً.

 

لكن أن يصل الأمر أن تحاسب وتحاكم جهاتٌ تنضوي تحت عباءة قوى إعلان الحرية والتغيير، الإسلامَ في صورة حكم الإنقاذ متذرعة بفشله وفساده، وأنها وحدها القادرة على وضع البلاد في الاتجاه الصحيح وانتشالها من ممارسات الحكم السابق. ونتيجة ضغط الواقع، وبوعي أو بدونه أصبح مطلب الثورة الحكم المدني وبهذا يمكن أن نقول إن قوى إعلان الحرية والتغيير، والتي نصبتها جهة ما على رأس الثورة، قادت الاحتجاجات وأدارت عملها بما يخدم أهدافها وليس أهداف الثورة، بتطويع المتظاهرين لتحقيق مكاسبها، التي أولها الحكم المدني، ونكاد نجزم بأن المتظاهرين معظمهم لا يعي معناه الحقيقي الذي هو فصل الدين عن الحياة. والعلمانيون أنفسهم يعرفون أن العلمانية مفلسة وغير مقبولة عند المسلمين، فأرادوا أن يروجوا لها باسم الدولة المدنية!

 

ولكل من يستمر في الاصطفاف مع قوى إعلان الحرية مطالبا بالمدنية المزعومة ويجعلها قضية مصيرية ويصم أذنيه ويعمي بصره عن حقيقتها، نطرح مجموعة أسئلة منها:

 

هل الحكم المدني الذي يجعل السيادة للشعب وليس لشرع الله هو حل يناسب المسلمين؟ والدولة المدنية هي دولة علمانية وتسميتها مدنية شكل من أشكال التزييف الذي تروج له المصطلحات الخبيثة التي تدلس على الناس الذين أصبحوا على قدر من الوعي، أكثر من أي وقت مضى على أن شكل الدولة الإسلامية ونظامها تشريع رباني، وأن الأحكام نزلت ونزلت معها طريقة تطبيقها، ولم تترك الأمر لأهواء الناس.

 

 وهل التنازلات التي تقدمها قوى إعلان الحرية والتغيير للمجلس العسكري والتي منها أنها تنازلت عن رئاسة المجلس السيادي لمدة 21 شهراً بعد رفضها التام لذلك؟ وأسقطت شرط محاسبة المسؤولين عن القتل الذي لازم الثورة فلم يتحدث عنه أحد ولربما سقط عمداً!! هل كل هذه التنازلات وغيرها من تغيير المواقف تجعل من قوى إعلان الحرية والتغيير يستحقون أن يكونوا حكاماً على أنفسهم ناهيك عن غيرهم؟

 

في المقابل السلطات التي أعطت نفسها صلاحيات إدارة شؤون البلاد، لم تحرز أي إنجاز يُحسب لها بل حسب عليها التمترس حول قوتها وبطشها بعيدا عن رعاية شؤون الناس التي هي أوجب واجبات من يحكم، وأخفقت إخفاقاً كبيراً في إدارة شؤون البلاد على صعيد رعاية شؤون الناس والخدمات والاقتصاد وغيرها فتردت الأوضاع، وجرت البلاد إلى مسيرة مرعبة من الغلاء الطاحن الذي فاق أيام حكم المخلوع البشير، وبدلا من استخدام أموال الدولة لتغيير الأوضاع المعيشية الصعبة تستنزف ثروات مهولة في شراء الذمم والمحاباة وتوزيع المصالح الشخصية والمنافع الفردية والهبات لاكتساب موالاة الإدارة الأهلية التي أيدت البشير في الماضي القريب؛ ما يعني إعادة إنتاج النظام السابق نفسه!

 

بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على تفجر الثورة في السودان، تم التراجع حتى عن نقطة الصفر التي بدأت بها الاحتجاجات وهي المطالبة بحياة كريمة، وأصبح الصراع على السلطة هو سيد كل المواقف، وبتنا بحاجة فعلية إلى القيام بثورة جديدة، لاسترجاع الثورة المختطفة والمنهوبة وانتزاع زمام الأمور للإبقاء على جذوة الثورة التي تعمل جهات عديدة على إطفائها لنبقى في سبات عميق.

 

وهكذا نجد أنفسنا نعيش ظروفا أسوأ من التي كنا نعيشها قبل الثورة ولا يلوح في الأفق أي تغيير حقيقي يلبي مطالب الثورة، في رفع الظلم والعيش الكريم، وإننا بناء على ذلك بحاجة إلى ثورة تصحيحية مبدئية تنبع من عقيدة أهل البلد، عسى أن نستعيد بها زمام الأمور، فنحن أهل السودان مسلمون، نعبد إلهاً واحدا آمنا برسوله الخاتم e الذي أقام دولة وحكم فيها بشرع الله والذي بلغ الرسالة الملزمة لنا بتطبيق شرع الله وحده والتي تتضمن حلولا ربانية لا مدنية ولا عسكرية بل في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، وقد أوضح العلامة الشهير الطاهر بن عاشور أهمية الخلافة في كتابه “أصول النظام الاجتماعي في الإسلام” بقوله: “ولمكانة الخلافة في أصول الشريعة ألحقها علماء أصول الدين بمسائله”. تلك الدولة التي تطبق معالجات خالق البشر للبشر تتمكن بالفعل من توفير العدل والرفاه لجميع رعاياها، وتأمنهم على حياتهم وأرزاقهم وأعراضهم، وتحقق المصالحة الحقيقية التي ينصهر فيها الناس بأفكار ومفاهيم الإسلام التي تلغي كل الفتن والصراعات الجهوية وتقطع يد من يدير الأزمة بأزمات الغرب وأذياله وعملائه، والشروع فورا في إنعاش الحياة الاقتصادية وإطلاق مسيرة النمو والتطور بتفجير الطاقات التي يزخر بها باطن الأرض وظاهرها بعيداً عن الاستثمارات الأجنبية التي تمتص الخيرات وتلقي بالفتات لأهل البلد. ثم نعيد ترتيب أمورنا بما نراه يخدم أهدافنا حسب وجهة نظرنا في الحياة التي غايتها نوال رضوان الله سبحانه وتعالى.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذة/ غادة عبد الجبار أم أواب

 

 

2019_07_21_Art_Neither_civil_nor_military_but_an_Islamic_Khilafah_AR_OK.pdf