مع الحديث الشريف
بيضاء ليلها كنهارها
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَفْطَسُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ، فَقَالَ: «آلْفَقْرَ تَخَافُونَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا حَتَّى لَا يُزِيغَ قَلْبَ أَحَدِ مِنْكُمْ إِزَاغَةً إِلَّا هِيَهْ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ»، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: “صَدَقَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَرَكَنَا وَاللَّهِ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاء، لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ”. متفق عليه.
إن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي نبيه محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، أما بعد،
إن هذا الحديث الشريف يقف على زاوية حرجة عند جميع البشر، وهو الفقر والغنى، حيث إن الإنسان بفطرته يحب المال، ما يدفعه للحصول عليه غريزيًا، فالإنسان مهما ارتفع فكريًا أو انخفض يبقى هذا الدافع موجودًا لديه. فإذا ارتفع فكره وزاد قربه من الله تعالى، أيقن بأن الله تعالى هو المعطي وهو المانع، أما إذا انخفض فكره، فإنه يبتعد عن ربه، ويركن إلى البشر في الحصول على ما يريد.
وهنا في هذا الحديث، عندما سمع الرسول الكريم الناس في المدينة يتحدثون عن الفقر، ويتخوفون حدوثه في المستقبل، ردّ عليهم نافيًا كل النفي بالقسم الذي يزيل كل شك، حيث أخبرهم بأن الله سوف يرسل عليهم السماء مدرارًا، ويخرج من الأرض خيراتها.
كما أن الإنسان يفتن عندما يحل به الفقر الشديد، وأيضًا يفتن عندما يصيبه الغنى الشديد، فالفتنة قد تصيب الإنسان سواء في فقره أو غناه. والذي يقع عليها حسُنا أن الإنسان يتقرب إلى الله تعالى كلما زادت حاجته له، ويبتعد عنه سبحانه كلما شعر بعدم الحاجة إليه لغروره. فإننا نرى الفقير يتقرب من الله تعالى، ويخلص له، ويدعوه بالستر والغنى، خاصة إن كان من أصحاب الفكر والوعي، ونجد من كان غنيًا، ولم يكن واعيًا فكريًا، نجده يبتعد عن الله، ويفتتن بما عنده من مال من خالق المال كله، لكن إن كان واعيًا فكريًا، وعنده يقين بأن الله هو المعطي، يزيده ذلك إيمانًا، ويستغل ما عنده ليتقرب به إلى الله تعالى، وينفق من ماله، قربة لله.
وفي نهاية الحديث الشريف يخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أنه تركنا على الإيمان الخالص الكامل، الذي لا ينقصه شيء، ومعالجاته تشمل كل ما يطرأ حتى قيام الساعة، فلا شبهة فيه، ولا نقص.
وهنا يجب أن نتيقن أن الله تعالى مصرف الأمور ومقلبها، وهو المعطي والمانع، فلا شك أن الله تعالى يعطي من غير حساب، ويمنع لخير الإنسان. وعلينا أن نوقن أن موزع الأرزاق هو الخالق الباري فلا شك في ذلك، وما علينا سوى أن نبحث عن الأخطاء التي نرتكبها ونصلحها، ونستقيم على الحق، ونتوكل على الله تعالى في كل شيء. ويجب أن لا يراودنا أن الإسلام فيه نقص، بل هو صالح لكل زمان ومكان، ولكل شخص خلقه الله تعالى، إلى يوم الدين.
فالله نسأل أن يعيد هذا الدين الحنيف إلى حيز التطبيق، وأن يرفع الغمة عن أبناء الأمة، ويعيد المسلمين خير أمة.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح