﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ﴾
أكد رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، في كلمة بمناسبة الاحتفال بالعيد الـ65 للجيش السوداني، أن القوات المسلحة قادرة على حماية التحول لحكم ديمقراطي في البلاد، والحفاظ على أهداف الثورة المجيدة، وأضاف أن عيد القوات المسلحة الذي يصادف الـ14 من آب/أغسطس من كل عام، يحل هذا العام والسودان يتأهب للاحتفال بالتوقيع النهائي السبت المقبل على الاتفاق الذي يؤسس لمرحلة مهمة ومفصلية في تاريخ السودان، تحقق الانتقال لدولة الحرية والعدالة. وحيّى البرهان القوات المسلحة، وهي تحتفل بأول عيد لها في ظل عهد جديد يؤسس للديمقراطية، متعهداً بأن تظل القوات المسلحة سنداً لحماية إرادة الشعب السوداني.
لا بد أن كلمات الديمقراطية، ودولة الحرية، والعدالة، وحماية إرادة الشعب السوداني، لها معانٍ محددة أراد بها من شرعها معنى معيناً، وهي كلمات مترابطة تنبع من عقيدة ومبدأ واحد وهو المبدأ الرأسمالي وعقيدته فصل الدين عن الحياة.
إن الديمقراطية لغةً مؤلفة من كلمتين، وهي تعني حكم الشعب أو السيادة للشعب Demo Kratos، والديمقراطية هي اصطلاح غربي يطلق على حكم الشعب للشعب بتشريع الشعب، فالشعب عندهم هو السيد المطلق، وهو صاحب السيادة يملك زمام أمره، ويمارس إرادته، ويسيرها بنفسه، ولا يُسأل أمام سلطة غير سلطته، وهو الذي يشرع الأنظمة والقوانين – باعتباره صاحب السيادة – بواسطة نوابه الذين يختارهم، وينفذ هذه الأنظمة والقوانين التي شرعها بواسطة الحكام والقضاة الذين يعينهم. وقالوا إن النظام الديمقراطي يكون الشعب فيه هو مصدر السلطات، فيستمد الحاكم منه سلطته وتكون له – أي للشعب – السيادة، فهو يملك إرادته، ويمارسها بنفسه، ويسيرها بمشيئته، ولا سلطان لأحد عليه فهو السيد، وهو الذي يشرع التشريع الذي يحكم به، ويسير بموجبه، وهو الذي يعين الحاكم، ليحكمه نيابة عنه بالتشريع الذي يشرعه الشعب.
وباستقراء هذا المعنى يتبين استحالة تطبيق ذلك على أرض الواقع، فكيفية الوقوف على رأي الشعب أو على حكم الشعب أو اختياره مسألة تعتمد على تصور لا ينطبق على الواقع، فاعتماد رأي أو حكم فئة من الناس على اعتبار أنه رأي الأكثرية قد يكون رأي الأقلية – وهو كذلك غالباً -، إذ إن الأكثرية قد لا تتجاوز 20% من المجموعة لأن الآراء الأخرى قد تكون متعددة لا يتجاوز أعلاها 15% من المجموع، وهذا فضلاً عن أن كثيراً من الآراء والأحكام والمعالجات لا يصح فيها الرجوع إلا إلى أهل الخبرة والاختصاص أو إلى الصواب، ولا يمكن أن تجعل الحكم في الشعب، فمثلاً هل يُرجع للشعب لوضع خطة عسكرية، أو تشريع اقتصادي مثل تحديد نسبة الضرائب…؟ وهكذا لا يمكن الاعتماد على الشعب كله في هذه التشريعات!
هذه هي الديمقراطية، فهي فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق في أرض الواقع. وإذا كان الغرب يخدع نفسه ويخادع الآخرين في ابتداع طرق للحكم تحت اسم الديمقراطية، فإن الإنسان مهما كان شأنه يعجز عن وضع نظام صحيح ينظم به سلوكه وعلاقاته ويؤمّن له إشباع حاجاته وطمأنينته، وهذه عندنا نحن المسلمين واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
والديمقراطية بُنيت على عقيدة فصل الدين عن الحياة، وهي العقيدة التي قام عليها المبدأ الرأسمالي. وهي عقيدة الحل الوسط، التي تمخضت عبر الصراع بين الملوك والقياصرة في أوروبا وروسيا، وبين الفلاسفة والمفكرين، إذ كان الملوك والقياصرة يتخذون الدين وسيلة لاستغلال الشعوب، وظلمهم ومص دمائهم، بزعم أنهم وكلاء الله في الأرض وكانوا يتخذون رجال الدين مطية لذلك. فنشأ صراع رهيب بينهم وبين شعوبهم قام أثناءه فلاسفة ومفكرون، منهم من أنكر وجود الدين مطلقاً، ومنهم من اعترف به، ولكنه نادى بفصله عن الحياة، وبالتالي عن الدولة والحكم، فانجلى هذا الصراع عن فكرة الحل الوسط، فكرة فصل الدين عن الحياة، ونتج عن ذلك طبيعياً فصل الدين عن الدولة، فكانت هذه الفكرة هي العقيدة التي قام عليها المبدأ الرأسمالي، وكانت هي قاعدته الفكرية، التي بنى عليها جميع أفكاره، والتي عين على أساسها اتجاهه الفكري، ووجهة نظره في الحياة. وعلى أساسها عالج جميع المشاكل في الحياة، فهي القيادة الفكرية التي يحملها الغرب، ويدعو العالم إليها.
إن حقيقة الديمقراطية التي سوقها الغرب الكافر في بلاد المسلمين هي نظام كفر، لا علاقة لها بالإسلام، لا من قريب، ولا من بعيد، وهي تتناقض مع أحكام الإسلام تناقضاً كلياً في الكليات والجزئيات، وفي المصدر الذي جاءت منه، والعقيدة التي انبثقت عنها، والأساس الذي قامت عليه، وفي الأفكار والأنظمة التي انبثقت عنها. ولمن أراد المزيد عن رأي الإسلام في الديمقراطية، نوصي بقراءة بعض الكتب لعلماء بحثوا الديمقراطية بحثا مستنيرا على أساس الإسلام مثل: نظام الإسلام للشيخ تقي الدين النبهاني، وكتاب الديمقراطية نظام كفر يحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها للشيخ عبد القديم زلوم، وكتاب الديمقراطية وحكم الإسلام فيها للسيد حافظ صالح.
إن الإسلام يجعل التشريع لله وحده، بينما الديمقراطية تجعل التشريع للشعب، وهذا ما يجعلها كفراً صراحا، وإن وجدت لها رواجا في كل العالم، فمن المستهجن أن تجد لها رواجا في بلاد المسلمين، حيث توجد شريعة بين أيدينا تحرم بشكل قاطع أخذ أي تشريع من غير الإسلام. وتجعل مصادر الإسلام وحدها، المتمثلة في القرآن والسنة، المصدر الوحيد للتشريع، قال e: «ترَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ»، وقال تعالى: ﴿إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾. وقال سبحانه: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، فلفظة (الْحُكْمُ) يقصد بها السلطة السياسية أو السلطان، ويقصد بها إصدار الأوامر والنواهي، وإضفاء صفات الحسن والقبح على الأشياء، وعلى الأفعال، بتعبير آخر: الحكم هنا هو التشريع وليس المقصود به ممارسة السلطة السياسية، ولا الجهة صاحبة هذه السلطة قطعا، وبوصفنا مسلمين فإن صاحب الحكم هو الله وحده سبحانه وتعالى ولا دخل لإرادة الشعب.
حتى ولو توافقت بعض الأحكام الوضعية مع بعض أحكام الشرع، كمنع استغلال المال العام أو أن يترك الناس حسب معتقداتهم، فإن هذه لا تعتبر أحكاماً شرعية لأنها ليست موضوعة بناء على أوامر أو نواه من الله سبحانه وتعالى. فالحكم الشرعي يجب أن يلاحظ فيه أنه خطاب من الشارع، والشارع هو الله وحده وليس مجلس النواب ولا الحاكم، لذلك فإنه يحرم على المسلمين أخذ الديمقراطية، أو تطبيقها، أو الدعوة لها تحريماً جازماً فهي نظام مصدره البشر، ولا علاقة له بوحي أو دين. هذه هي حقيقة الديمقراطية فإن كان أبناء الأمة في الجيوش يبذلون هذه التضحيات لحماية الديمقراطية، فليتقوا الله وليلفظوها لفظ النواة، ولينصروا حملة الدعوة في سعيهم لإقامة الدولة التي تطبق أحكام الشرع الحنيف، وهي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
قال عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة/ غادة عبد الجبار – أم أواب