مع الحديث الشريف- حامل ناشر، وحامل لا يمنع، وحامل مانع
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي عَامِرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا، وَسَقَوْا، وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ، وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ». أخرجه مسلم.
أيها المستمعون الكرام
إن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي نبيه محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، أما بعد،
إن هذا الحديث له معاني كثيرة، فمنها تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث. ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس؛ فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر، فيحيا بعد أن كان ميتًا، وينبت الكلأ، فينتفع بها الناس والدواب والزرع… وإن هذا من التشبيهات الجميلة، ومن قبيل التجسيد بالمحسوس، فأرض الخير لا يقربها أحد إلا وله أن يصيب من خيرها، فنعم الأرض تلك، ومن هو قائم عليها. وبالتالي فإن النوع الأول من الناس هو من يبلغه الهدى والعلم، فيحفظه، فيحيا قلبه، ويعمل به، ويعلمه غيره، فينتفع هو وينفع الناس به. وهؤلاء خير الناس، وأقربهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم يوم الجمع، وهؤلاء من صفاتهم أنهم مخلصون خالصون لا يعملون إلا بما علموا أنه الهدى، ولا ينتفعون إلا بما أذن لهم الله تعالى بالانتفاع به، هؤلاء قد اهتدوا.
النوع الثاني من الأرض لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة، وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس والدواب، وهذه الأرض توجد فيها حياة، لكنها لا تقارن بالأرض الأولى، فهي فيها الخير لكنها لا تعلمه، ولا تمنع غيرها من الانتفاع منها. وكذلك النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة، لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم، ممن هو أهل للنفع والانتفاع، فيأخذه منهم، فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم. وهؤلاء الناس لا يمنعون السائل الذي يسعى إلى الحق من معرفته، ولكنه لا يعملون لتطبيق الحق ونشره، ينتظرون أن يأخذه الناس بأيديهم.
النوع الثالث من الأرض هي السباخ التي لا تنبت ونحوها، فهي تنتفع بالماء، ولا تمسكه لينتفع به غيرها. وكذا النوع الثالث من الناس، ليست لهم قلوب حافظة، ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به، ولا يحفظونه لنفع غيرهم. وهؤلاء هم الأشد خطورة على الأمة ودينها، فهم يعلمون الحق، ويعلمون أين يجب أن يكونوا، لكنهم امتنعوا، ولم تكن لهم الإرادة للتحرك، وهؤلاء عن الحق بعيدون، ومانعون، هؤلاء يضلون الناس، ويعطلون شرع الله، ويتخذون من الإسلام وأهله موقف العداء، وهم في أيامنا هذه يتمثلون في علماء السلاطين والمال، يدعون العلم مغطين بقشورٍ تحتها جهل، لا يزِنون بميزان العدل، أو حتى الربح، فهم لو كسبوا الدنيا بما فيها، لن يربحوا إذا خسروا الآخرة، بما فيها من نعم لا تزول، ونعيم لا يساويه نعيم.
فالله نسأل أن يكثر ممن يتعلمون الإسلام ويعلمونه للناس، ويسعون ويعملون لنشره والانتفاع منه، وأن يغير حال الذين يحملون العلم ولا يعملون به ولكن لا يمنعونه عن السائل له، وأن يهدي الضالين المضلين من أبناء أمتنا.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح