Take a fresh look at your lifestyle.

الاستنجاد بالأمم المتحدة ومنظماتها لن يحل مشكلة البلاد بل يعقدها

 

 

الاستنجاد بالأمم المتحدة ومنظماتها لن يحل مشكلة البلاد بل يعقدها

 

من الملاحظ والمشاهد حسيا هرولة قادة وحكام البلاد الإسلامية إلى دول الكفر ومنظماتها مرتمين في أحضانها وكأنها الأم الحنون والأب الشفوق ليطرحوا مشاكلهم وينتظروا الحلول والدعم منها! مما يدل على غبائهم السياسي وأن اتخاذهم للقرارات ليس ذاتيا، ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك؛ فقد اتجه صوب الأمم المتحدة يوم الجمعة الموافق 27 أيلول/سبتمبر 2019م راجياً منها حل مشاكل السودان، ولقد تناولت وسائل الإعلام المضللة هذا الخبر بشيء من التزيين والترويج بأن رئيس الوزراء قد كسر عزلة البلاد العالمية وجعل السودان دولة عالمية كسائر الدول.

وهنا تترادف أسئلة عديدة على الأذهان: هل يجب علينا باعتبارنا مسلمين أن نتعاون مع الأمم المتحدة؟ هل تلك الزيارة تحقق المرجو منها؟ وهل الأمم المتحدة هي أهل لحل قضايا العالم وأنها واهبة نفسها لهذا الغرض كما في شعار بطاقتها (السلم والأمن والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية)؟؟

بكل تأكيد هي منظمة مسيرة من الغرب الكافر المستعمر ونشأت بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م لاستعمار الشعوب ونهب الخيرات والتحكم في مفاصل البلاد الإسلامية خاصة وفرض مبدئها عليها بقانونها النافذ (الشرعة الدولية)، وهذا ما تنص عليه المادة 25 من ميثاقها (يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق)، وهذا ليس قانونا وضعيا عاديا فقد وضعوه بعمق أكبر من ذلك بكثير. فإن خبراء المجتمع الدولي وفقهاءه يعلنون بأن الميثاق هو أعلى مراتب المعاهدات الدولية وأعظم قواعد القانون الدولي مكانة! لذلك نصت المادة (103) من هذا الميثاق نفسه على أنه (إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق)، ومعنى ذلك أنه لا يجوز لأي دولة ملتزمة بهذا الميثاق أن تبرم أي اتفاق دولي أو تختار وتلتزم بميثاق بينها وبين دولة أخرى تتعارض أحكامه مع القواعد والأحكام الواردة في الميثاق ولو كان شرع العزيز الجبار! ومعلوم أنه لا يمكن لأي دولة الانتساب للعضوية حتى تعلن التزامها واحترامها لهذا الميثاق وتسلم به تسليما، وبذلك يحرم علينا الانضمام إلى هذه الهيئة لتحاكمها إلى الطاغوت بدلاً من الشرع الحنيف ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، وهذا ما أظهر لون جلدها المسموم وفشلها في حل القضايا (إندبندنت عربية). لم تنجح الأمم المتحدة حتى اليوم في حل أزمات اليمن وليبيا وسوريا (موقع الأمم المتحدة).

قامت أمريكا بإرسال المبعوث تلو الآخر، وفي ظل الأوضاع الصعبة هذه والمتأزمة بات دور المبعوث محصورا بإطلاق النداءات والتنديدات وتنظيم اللقاءات وغض الطرف عن القتل والتشريد ما دام يصب في مصلحة أمريكا، ومنها تجاوزات غريفيث في اليمن. وهذا مبعوث ليبيا غسان سلامة قائم على تأجيج الفتن ويظهر انحيازه لحفتر وغض طرفه عن كل جرائمه وجعله مناضلا وطنيا. وكذلك مبعوثها إلى سوريا غير بيدرسن وفشله الذريع مما جعله يعترف قائلاً (إن النزاع أبعد من أن ينتهي في هذا البلد)، مع العلم أنه المبعوث الأممي الرابع. كما أشركوا روسيا في الحرب لتفتك بالمسلمين وتشردهم وتجعلهم يخضعون لحلولها السامة، وهذا هو ديدن الغرب الكافر المستعمر الذي يقوم نظامه على الأنانية وعدم النظر في مصالح الغير. رئيس فنزويلا مادورو يؤكد ذلك قائلاً إن (الأمم المتحدة لم ترسل المساعدات الإنسانية التي وعدت بتقديمها لبلده) (TRT عربي). بذلك يكون لنا أمام مساعيها الفاشلة عبر مبعوثيها أن ندرك مدى قدرة الأمم المتحدة على لعب دورها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وعما إذا كانت غير قادرة وخالقة للفوضى ومضرمة النيران.

وأما لو قلنا إن الأمم المتحدة تعين الدول اقتصادياً فهي نفسها مثقوبة وفارغة الخزينة ولولا نفوذها الذي مكنها من نهب خيراتنا لكانت تتسول الآن على أبواب البلاد الإسلامية، فهي لا تجد ما يكفي لدفع رواتب موظفيها بسبب اختلال ميزانيتها وأمريكا مدينة بـ5.1 تريليون دولار، إذن فاقد الشيء لا يعطيه، لذلك تقوم بفرض ضرائب وغرامات وخطط محايلة لسرقة الدول كما قال سفير السعودية لدى اليمن (إن الأمم المتحدة لم تنفق سوى 40% من إجمالي مليار و250 مليون دولار سلمتها السعودية والإمارات والكويت هاضمة خطة الاستجابة الإنسانية التي أطلقتها الأمم المتحدة في اليمن) (الخبر السعودية)، وكذلك مسؤولة فنزويلا تقول عن الأمم المتحدة (إن هذه الضرائب تبدد ولا تذهب إلى غاية نافعة وفقط إن وقفنا لهم يمكننا أن نمنع الكارثة) (TRT عربي)، إذن من الغباء أن نظن فيهم خيرا ونتعاون معهم.

أما اجتماعياً فيظهر هذا الدور جلياً مثل فلق الصبح لما فيه من اختلاف عقدي والقدرة على إنتاج خليط غير متجانس بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال، فقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع أجزاء المنظومة إلى تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في إطار ولاياتها ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾، لذلك لا غرابة مما هو متداول حالياً من إعداد دوري كرة القدم للنساء وإقامة أول مباراة باستاد الخرطوم، وكثر الحديث عن مساواة المرأة مع الرجل في الميراث، وغيرها من القيم التي تخدش بسماحة نظام الإسلام.

أيها المسلمون! فلنعلم بأن التحالف مع أي دولة أجنبية يجب أن يتم على أساس نظرة الإسلام للفرد (نظرة إنسانية) كنصرة المظلومين وإغاثة الدول التي بها مجاعة أو أصابتها كوارث بيئية (فيضانات وزلازل وغيرها)، وليس تحالفا تهيمن عليه دولة معينة لتفرض سيطرتها وتبسط نفوذها وتنهب ثرواتنا وتطحن عظامنا وتضرب بمجتمعاتنا القيم السمحة؛ لذا فإن الانخراط في الأمم المتحدة لن يجنى منه عنب بل شوك، ولا يروي ظمأً، وعلى حمدوك أن يتعظ ممن سلكوا هذا الطريق قبله؛ الرئيس المعزول عمر البشير وكل الحكام السابقين فقد وقفوا في المكان نفسه وخاطبوا الأمم المتحدة ولكن ما رأيناهم سعدوا ولا تحققت أحلامهم، ألم تلق بالا إلى أمتك هذه أنها خير الأمم وصاحبة ثروة فكرية تمكنها من بذل الغالي والنفيس لأجل تلك الفكرة وإيصالها إلى العالم والفكرة معصومة من الخطأ لأنها منزلة من علام الغيوب؟ ألم تدر أنك في بلاد جيوسياسية واستراتيجية من حيث الثروة والخيرات التي حباها الله بها؟! عجباً لك تترك كل ذلك وراء ظهرك وتتجه إلى الأمم المتحدة بدل الفرار إلى الله ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾، فوالله لن تجني إلا السراب والشقاء، ما تحتاجه أنت يا رئيس الوزراء وكل البلاد التي تريد الرقي والنهضة هو فكرة مبدئية عملية لحل مشاكل العالم، فكرة منزلة من خالق الكون والإنسان والحياة لا من أهواء البشر وكؤوس الخمر التي تنبثق منها أنظمة! وتلك الفكرة القويمة تقوم على أساسها دولة تطبقها وتحملها إلى العالم وتنقذ العالم من ظلم الرأسمالية وترفع عنهم ثقلها وتجبر كسرهم وتنمي اقتصادهم وترعى شؤونهم… اللهم عجل لنا بها دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة اللهم آمين.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس بكري آدم – أم درمان

 

2019_10_29_Art_Invoking_the_UN_will_not_solve_the_countrys_problem_AR_OK.pdf