Take a fresh look at your lifestyle.

قراءة لكتيب ميثاق الأمة – إصدار حزب التحرير – تمهيد ح1

 

الميثاق لغة وشرعاً العهد قال تعالى: (إلاّ الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق)، وقال: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إلى أهله)، وقال: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق)، وقال: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه).

ويطلق اصطلاحاً في هذا العصر على مجموعة من القواعد يؤمن بها الشعب، ويجعلها وجهة نظره في الحياة، ويتخذها مصدراً لدستوره وقوانينه.

والشعب الذي يتخذ ميثاقاً له إنما هو الشعب الناشئ، الذي انشأ له دولة، وبدأ حياة جديدة غير حياته التي كان يعيش عليها، كما هي الحال في الدول الأفريقية، وفي كل دولة ناشئة حديثاً وبادئة في حياة جديدة غير حياتها الأولى.

وحين انفصلت البلدان العربية عن جسم الخلافة العثمانية عند انتهاء الحرب العالمية الأولى، حاول كل قطر صار كياناً أن يضع له ميثاقاً، سمّاه الميثاق الوطني، أو الميثاق القومي. كما حصل في العراق وسورية مثلاً. أما الشعوب والأمم العريقة الوجود فلا تفكر في وضع ميثاق لها، لأنه قد تركزت عندها عقيدة سياسية معينة، وتركزت لديها قواعد معينة جعلتها وجهة نظرها في الحياة، واتخذتها مصدراً للأحكام التي تقوم مقام الدستور والقوانين، إن لم يكن لديها دستور وقوانين، واتخذتها مصدراً للدستور والقوانين، إن كان لها دستور وقوانين. وهذه القواعد محفوظة ومعروفة ومتفق عليها دون أن تكتب، ودون أن يقال عنها أنها ميثاق الأمة، أو ميثاق وطني، أو ميثاق قومي، وهذه هي الحال في جميع الدول العريقة.

والأمة الإسلامية مِن أعرق الأُمم على الأرض وعندها عقيدة سياسية، هي وحدها العقيدة الصحيحة، وتركزت في نفوسها أفكار وأحكام جعلتها وجهة نظرها في الحياة، واتخذتها مصدراً للأحكام التي تنظم الدولة وسائر العلاقات، أو ما يسمونه بالدستور والقوانين، وقد سُطر ذلك كله في مصدرين عظيمين هما الكتاب والسنة. ولهذا ليست هي في حاجة إلى ميثاق يسمى ميثاق الأمة، ولا يصح أن يكون لها ميثاق وطني، أو ميثاق قومي، لأن الكتاب والسنة يوجبان عليها محاربة الرابطة الوطنية والرابطة القومية.

غير أنَّ هذه الأمة الإسلامية لما تأثرت بالأفكار الغربية، من جرّاء الغزو التبشيري والثقافي، ثم السياسي والعسكري، من الدول الغربية الكافرة لبلاد المسلمين.

ولما بعدت عن تطبيق الإسلام في الدولة والمجتمع، بعد أن قُضي على دولة الخلافة عام 1924م. فَقَدَ الكتاب والسنة في نفوس أبنائها الصفة السياسية، والصفة التشريعية، ولم تعد العقيدة الإسلامية لديهم عقيدة سياسية. فضعف عندهم من جراء ذلك تَصوُّر أن الإسلام عقيدة ونظام للحياة والدولة والمجتمع.
إلا أن هذه الأمة الإسلامية العريقة صحت من غفوتها، بعد المعاناة الشديدة، التي لحقتها من جراء بُعدها عن الإسلام، ومن جراء سيطرة الغرب وأفكاره وأنظمته، وعملائه. وبعد أن كشفت الغرب على حقيقته البشعة، وأدركت فساد أفكاره وأنظمته، وفساد الأفكار والأنظمة الاشتراكية والشيوعية، وفساد القومية والإقليمية، ومدى خطرهما عليها، وعلى كيانها كأمة.

فعادت إلى إسلامها لتجد فيه الحل لمشاكلها، وأصبح هو أملها في الخلاص، وفي إنقاذها مما تعانيه وتكابده، وأصبحت تتصور أن العقيدة الإسلامية هي عقيدة سياسية، وأن الكتاب والسنة يحويان نظاماً كاملاً للحياة والدولة والمجتمع، وأنهما لهما الصفة السياسية والصفة التشريعية. وصارت تدرك أن خلاصها وإنقاذها ونصرها لا يتم إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة ووضعهما موضع التطبيق والتنفيذ.

ولذلك كان الأمر الطبيعي والأمة تشعر بضرورة تغيير المجتمع الحالي، وتؤمن بالكتاب والسنة أن يُجعل الكتاب والسنة ميثاق الأمة، وأن يُتخذا مصدراً للدستور والقوانين. غير أن اتخاذ الكتاب والسنة ميثاقاً للأمة لا بد أن يظهر في خطوط عريضة، تبرز فيها أفكار تحوي كيفية التطبيق في اتخاذ الكتاب والسنة ميثاقاً، وتتضمن ما يضمن سلامة السير في تعيين ماذا يعني الكتاب، وماذا تعني السنة، وتبين ما هو أسلوب فهمهما، وكيف يكونان مصدر الدستور والقوانين، وتشرح ما هي ماهيَّة الدولة التي تقوم على أساسهما، من أجل تنفيذهما، ولذلك كان لا بد من أن يكون اتخاذ الكتاب والسنة ميثاقاً مبلوراً في خطوط عريضة تعبر عن الصورة العملية لاتخاذ الميثاق، ومن هنا وجدت فكرة هذا الميثاق.

وهذه هي الخطوط العريضة التي يتبلور فيها اتخاذ الكتاب والسنة ميثاقاً للأمة.