ليس هناك عنف أشدُّ على المرأة من عنف أنظمتها
الخبر:
في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر كان الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة كل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة، وعلى إثره قامت كثير من البلدان العربية بإجراءات تحويرية على القوانين المتعلقة بحقوق المرأة.
التعليق:
إنّ المتابع لحملة التنقيحات القانونية والتعديلات الدستورية ورفع التحفظات على بعض مواد المواثيق الأممية التي تسري في بلدان عربية كثيرة خلال هذه الفترة (فلسطين، الأردن، تونس، السودان، مصر، السعودية، الإمارات، سلطنة عمان…) يُدرك أنّ هذه الهبّة الجماعيّة من الحكومات المذكورة لم تكُن صدفة، بل هي استجابة لجملة من التوصيات والقرارات الصارمة من جهات دوليّة.
يأتي هذا تزامنا مع التجهيز لانعقاد الاستعراض الخامس للجنة الأمم المتحدة المعنيّة بوضع المرأة، والتي تقوم كل خمس سنوات بمراجعة التقدّم المحرز في تنفيذ منهاج عمل بيكين 2000، 2005، 2010، 2015 وقريبا 2020، وينبثق عن كل عملية استعراض وثيقة ختامية تعزز الالتزام العالمي بتمكين النساء والفتيات، وفي المادة رقم 18 من اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” نجد إلزاماً لجميع الدول الأطراف لكي يرسلوا تقارير دورية إلى اللجنة المعنية بمدى تطور الأوضاع في بلادهم من ناحية تطبيق الاتفاقية، وتلتزم الدول الأطراف بإرسال هذه التقارير الدقيقة والتي توضّح فيها التطور الحاصل في هذا البلد تجاه الالتزام بمواد المعاهدة.
وهذا ما يُفسّر مثلا هرولة السلطة الفلسطينية في سنّ قوانين إباحة الإجهاض ومنع الزواج دون سن 18 سنة، أو تسارع الخطوات في السعودية بعد حملات رفع الولاية إلى المطالبة بالسفر بدون محرم، أو تقيّد الحكومة التونسية باتفاقية سيداو ورفع كامل التحفّظات عنها…
وما يجب أن نوضّحه هو أن مناهضة أشكال العنف ضدّ المرأة لا ينحصر في العنف الجسدي، وإلّا لكانت أوروبا هي التي تتصدّر أعلى الرتب في التعنيف المادي للنساء، وإنما المقصود هو عدم التمييز بين الذكر والأنثى على أساس التركيبة البيولوجية الفطرية، فكلاهما بميثاق بيجين نوع (اجتماعي) واحد هو الجندر، وكل أشكال التفريق يُعتبر تمييزا، فإذا ما خُصّت المرأة مثلا بحكم تركيبتها بالإنجاب والأمومة وتربية الأبناء وبالأعمال غير مدفوعة الأجر كما تُسمّيها وثيقة بيجين، ستجد المرأة نفسها طبيعيّا تحت سلطة الرجل الذي يُنفق ويُعيل ويكون بيده المال وصنع القرار، لأن ما يقوم به خارج البيت هو عمل مدفوع الأجر وهو الذي يجعله متقّدما على المرأة في كلّ شيء. وستكون المرأة كائنا مُهمّشا ومُعطّلا يخضع للتابعية لأنّه لا يملك قراره في جسده ولا في جيبه. لذا اعتبرت وثيقة بيجين أن الأمومة “وظيفة اجتماعية” يمكن لأي شخص القيام بها، لا يُشترط فيه وجود المرأة، إذ إنّ الإنجاب هو عبوديّة للنساء يحرمهنّ من الاستقلال المادي وعدم الخضوع لأي سلطة ذكوريّة!
من هنا كان رفع سنّ الزواج لـ18 سنة، وإباحة الإجهاض وزواج المسلمة من كافر، ومساواتها في الميراث؛ هو تمكين للمرأة بأن تتصرّف في حياتها وجسدها دون أيّ قيد ذكوري أو مجتمعيّ، وأي محاولة لتقييدها هو تعسّف على حقوقها وتمييز للرجل عليها وهذا ما يوصف بأشكال العنف!
إنّ معركة اتفاقية سيداو أو منهاج بيجين هي مع الفطرة الآدمية مباشرة، إذ إنّ “متلازمة العقدة الذكورية” التي تلاحق النسويّة جعلت من القوانين الدوليّة جنونا صارخا لاستقواء المرأة على الرجل دون اعتبار لتركيبة كليهما واحتياجاتهما وخصائصهما، تحت شعار “تمكين المرأة”.
ليس هناك عنف وتعسّف وظلم أشدّ على المرأة عامّة والمرأة المسلمة خاصة من عنف أنظمتها الفاسدة التي تحكمها، التي لا تُوفّر لها عيشا كريما، ولا تحفظها في دمها وعرضها وعلمها، والتي توُغل في تهميشها بالتفقير والتجويع والتجهيل والتشريد، أو بالحروب والمجاعات، أو بانعدام الأمن والأمان، وعدم إشباع الحاجات الأساسية لها من مأكل وملبس ومسكن.
لقد أوغلت الرأسماليّة في ظلم البشرية، ذكورا وإناثا، هذا المبدأ الجائر الذي سبّب الدمار والخراب في كل العالم لفساد نظرته وعجز أنظمته، فلماذا تُصرّ المرأة على أنّ مشكلتها هي مع الرجل وليس مع الرأسمالية الجائرة؟!
إننا في حزب التحرير ندعو كل نساء العالم أن ينتفضن على كلّ أنظمة العداء والبلاء التي تحكمهنّ وأن يستعملن العقل دون العاطفة في تقديرهنّ للأمور. وهذا كفيل بأن يجعلهن يُدركن أن سبب المشكلة هو النظام وحلّها بخلعه، أما بديله فهو نهج رب العالمين الذي خلق وشرّع وعدل.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: 76]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري